إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: شرح أحاديث رياض الصالحين . باب المراقَبة ( جزء 6 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين . الإثنين ديسمبر 14, 2015 8:07 pm | |
|
شرح أحاديث رياض الصالحين . باب المراقَبة ( جزء 6 ) .
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا .
ومن الإيمان باليوم الآخر: أن تؤمن بأن الله- سبحانه وتعالى- يبسط هذه الأرض ويمدها كما يمد الأديم أي الجلد ؛ لأن أرضنا اليوم كرة مستديرة منبعجة بعض الشيء من الجنوب والشمال، لكنها مستديرة كما يفيد قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾[الانشقاق:1ـ 3]، معناه أنها لا تمد إلا إذا انشقت السماء، وذلك يوم القيامة، فتُبسط الأرض كما يبسط الجلد المدبوغ، ليس فيها أودية ولا أشجار ولابناء ولا جبال، يَذَرُها الرب- عز وجل- قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا، يُحشر الناس عليها على الوصف المذكور آنفًا، وتطوى السماوات، يطويها الرب- عز وجل- بيمينه، وتُدنى الشمس من الخلق حتى تكون فوق رؤوسهم بقدر ميل، إما مسافة وإما ميل المكحلة وأيًّا كان فهي قريبة من الرؤوس، لكننا نؤمن بأن من الناس من يَسْلَمُ من حرها، وهم الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ومنهم السبعة الذين ذكرهم الرسول في نسق واحد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)) .
الإمام العادل: هو الذي عدل في رعيته، ولا عدل أقوم ولا أوجب من أن يحكِّم فيهم شريعة الله، هذا رأس العدل؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]،
فمن حكم شعبه بغير شريعة الله فإنه ما عدل، بل هو كافر والعياذ بالله؛ لأن الله قال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44].
فإذا وضَعَ هذا الحاكم قوانين تخالف الشريعة وهو يعلم أنها تخالف الشريعة، ولكنَّه عدل عنها وقال: أنا لا أعدل عن القانون، فإنه كافر ولو صلَّى، ولو تصدَّق، ولو صام، ولو حجَّ، ولو ذكر الله تعالى،ولو شهد للرسول- عليه الصلاة والسلام- بالرسالة، فإنه كافر مخلد في جهنم يوم القيامة ولا يجوز أن يتولى على شعب مسلم إذا قدرَ الشعب على إزاحته عن الحكم.
فأهمُّ العدل في الإمام أن يحكم في الناس بشريعة الله.
ومن العدل أن يُسَوِّيَ بين الفقير والغني، وبين العدو والولي، وبين القريب والبعيد، حتى العدو يسوِّي بينه وبين الولي في مسألة الحكم،
حتى إنَّ العلماء رحمهم الله قالوا: لو دخل على القاضي رجلان أحدهما كافر والثاني مسلم، حرم عليه أن يُمَيِّزَ المسلم بشيء، فيدخلان جميعًا ويجلسان جميعًا، فلا يتحدث لواحد دون الآخر، ولا يَبَشُّ في وجه المسلم ويُكَشِّرُ في وجه الكافر وهما في مقام الحكم، بل يجب أن يسوي بينهما، مع أن الكافر لا شك أنه ليس كالمسلم ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم:36،35]، لكن في باب الحكم الناس سواء.
ومن العدل: أن يقيم الحدود التي فرضها الله- عز وجل- على كل أحد، حتى على أولاده وذُرِّيته،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الأئمة، لما شُفع إليه في امرأة من بني مخزوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، فشفع إليه أُسامة- رضي الله عنه- فيها ، فقال له: ((أتشفعُ في حدٍ من حدود الله))؟! أنكَرَ عليه، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد.. فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله- أي أحلف بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) رواه البخاري ، ومسلم .
صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت محمد أشرف النساء! سيدة نساء أهل الجنة، بنت أفضل البشر، لو سرقت لقطع يدها وهو أبوها.
وتأمل((لقَطَعْتُ يَدَها)) ولم يقل لأمرتُ بقطع يدها! فظاهره أنه هو الذي يباشر قطعها لو سرقت. هذا العدل، وبهذا قامت السماوات والأرض.
ومن عدل الإمام أن يُوِلِّي المناصب من هو أهل لها في دينه وفي قوَّته، فيكون أمينا وقويًّا، أهلًا للأمر الذي وُلِّي عليه.
وأركان الولاية اثنان: القوة، والأمانة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص: 26]،
﴿قال عفريت من الجن﴾ لسليمان:﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾ أي: بعرش بلقيس ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل:39]،
فمن العدل أن لا يوَلِّي أحدًا منصبًا إلا وهو أهل له في قوته وفي أمانته، فإن ولَّى من ليس أهلًا ويوجد مَن هو خير منه فليس بعادل.
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وجعله أول هؤلاء السبعة؛ لأن العدل في الرَّعيَّة صعب جدًّا،
فإذا وفِّقَ المرء الذي يوليه الله على عباده للعدل نال في هذا خيرًا كثيرًا، وانتفعت الأمة في عصره ومن بعده أيضًا؛ لأنه يكون قدوة صالحة، فهذا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ثانيًا: ((شاب نشأ في طاعة الله)): الشاب ما بين الخامس عشرة سنة إلى الثلاثين، ولا شك أن يكون للشباب اتجاهات وأفكار، ولا يستقر على شئ؛ لأنه شابٌ غضٌ، كل شئ يجذبه، وكل شئ يختطفه، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب أن تُقتلَ شيوخُ المقاتلين المشركين ويستبقى شبابهم؛ لأن الشباب إذا عُرض عليهم الإسلام ربما يسلمون.
فالشاب لما كان في سن الشباب يكون له أفكار وأهواء واتجاهات فكرية وخُلقيَّة وسلوكية، صار الذي يمنُّ الله عليه وينشأ في طاعته من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وطاعة الله هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه، ولا امتثال للأمر واجتناب للنهي إلا بمعرفة أن هذا أمر وهذا نهي،
إذًا لا بد من سبق العلم، فيكون هذا الشاب طالبًا للعلم، ممتثلًا للأمر، مجتنبًا للنهي.
الثالث: ((رجُلٌ قلبُهُ معلَّقٌ بالمساجد)): أي : يحب المساجد.
وهل المقصود أماكن السجود؟ أي أنه يحب كثرة الصلاة، أو المقصود المساجد المخصوصة؟ يحتمل هذا وهذا.
هذا رجل قلبه دائما معلق بالمساجد، وهو مشغول في أماكن الصلاة، وفي الصلاة، إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى، وهكذا.
وهنا فرق بين قول الإنسان: (( اللهم أرحني بالصلاة))، و((اللهم أرحني من الصلاة)). أرحني بالصلاة: هذا خير، أي اجعل الصلاة راحة لقلبي. وأرحني من الصلاة: أي فُكَّني عنها. أعوذ بالله!
فهذا الرجل قلبه معلَّق بالمساجد دائمًا، وهو مشغول بأماكن الصلاة وبالصلاة، إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى، وهكذا.
الرابع: ((رجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه)) أي: أحب بعضهما بعضا لا لشيء سوى الله- عز وجل- فليس بينهما قرابة ولا صلة مالية، وليس بينهما صداقة طبيعيَّة ، إنما أحبه في الله- عز وجل- لأنه رآه عابدًا لله مستقيمًا على شرعه فأحبَّه، وإذا كان قريبًا أو صديقًا وما أشبه ذلك فلا مانع أن يحبه من وجهين: من جهة القرابة والصداقة، ومن الجهة الإيمانية.
فهذان تحابَّا في الله وصارا كالأخوين، لما بينهما من الرَّابطة الشَّرعيَّة الدينيَّة، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى. ((اجتمعا عليه)) في الدنيا ((وتفرَّقا عليه)) أي: لم يفرِّق بينهما إلا الموت، يحبه إلى أن مات، هذان يظلهما الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويكونان يوم القيامة على محبتهما وعلى خلتهما، كما قال الله تعالى: ﴿الإخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف:67]، تبقى الصداقة بينهما في الدنيا و الآخرة. اللهم إنا نسألك من فضلك.
الخامس: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)) رجل قادر على الجماع، دعَتْه امرأة ليجامعها بالزنا- والعياذ بالله- ذات منصب وجمال، أي أنها من حمائل معروفة، ليست من سقط النساء بل من الحمائل المعروفة، وهي جميلة، دَعَتْهُ إلى نفسها في مكان خالٍ لا يطلعُ عليهما أحد، وهو فيه شهوة، ويحب النساء، لكنه قال : إني أخاف الله! لم يمنعهُ من فعل هذا إلا خوف الله عز وجل! فانظر إلى هذا الرجل! المقتضى موجود؛ لأنه قادر على الجماع، والمرأة جميلة، وهي ذات منصب، والمكان خال، لكن مَنَعَهُ مانعٌ أقوى من هذا المقتضى، وهو خوف الله، قال: ((إنِّي أخافُ الله)) ما قال: إني لا أشتهي النساء، وما قال: لستِ بجميلة، وما قال: أنت من أسافل النساء، وما قال: إن حولنا أحدًا، قال: ((إني أخاف الله)) فهذا ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وانظر إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم الصلاة والسلام- عشقته امرأة العزيز ملكِ مصر، وكانت امرأة مَلِكٍ على حال من الجمال والدلال، غلقت الأبواب بينهما وبين الناس: ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ يعني تدعوه إلى نفسها، وكان رجلًا شابًّا، وبمقتضى الطبيعة البشرية همَّ بها وهمَّت به، ولكن رأى برهان ربه ووقع في قلبه خوفُ الله فامتنع، فهدَّدته بالسجن فقال: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾[يوسف: 35،33] ، وسُجِنَ في ذات الله وامتنع عن الزنا مع قوة أسبابه، لكنه رأى برهان ربه فخاف الله،
السادس: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)): وهذا فيه كمال الإخلاص، يخلصُ لله، لا يريد من الناس أن يطَّلعوا على عمل من أعماله، بل يريد أن يكون بينه وبين ربه فقط ، ولا يريد أن يظهر للناس بمظهر المنة على أحد؛ لأن الذي يعطي أمام الناس تكون له مِنَّةٌ على من أعطاه، فهو يخفي الصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، أي: من شدة إخفائه لو أمكن أن لا تعلم يده الشمال ما أنفقت يده اليمين لفعل،
فهذا مخلصٌ غاية الإخلاص وهو بعيد عن المنِّ بالصدقة، يظله الله في ظله يوم لا ظل إلاظله،
ولكن لاحظ أن إخفاء الصدقة أفضل- بلا شك- إلا أنه ربما يعرض لهذا الأفضل ما يجعله مفضولًا، مثل أن يكون في إظهار الصدقة تشجيع للناس على الصدقة، فهنا قد يكون إظهار الصدقة أفضل، ولهذا امتدح الله- سبحانه وتعالى- الذين ينفقون سرًّا وعلانيةً على حسب ما تقتضيه المصلحة.
فالحال لا تخلوا من ثلاث مراتب: إما أن يكون السر أنفع، أو الإظهار أنفع، فإن تساوى الأمران فالسر أنفع.
السابع: ((رجل ذكر الله خاليًا ففاضتْ عيناه)) ذكر الله بلسانه وبقلبه، ليس عنده أحد يرائيه بهذا الذكر، خاليًا من الدنيا كلها، قلبه معلَّق بالله عز وجل، فلما ذكر الله بلسانه وبقلبه، وتذكر عظمة الرب- عز وجل- اشتاق إلى الله ففاضت عيناه، فهذا أيضًا ممن يُظِلُّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
هذه الأعمال السبعة قد يوفَّق الإنسان فيحصل على واحد منها أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة، هذا ممكن، ولا يناقض بعضه بعضًا، فقد يوفَّق الإنسان فيأخذ من كل واحدة من هذه بنصيب، كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام: (( أن للجنة أبوابًا، من كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان)) ذكر أربعة! فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من واحد من هذه الأبواب من ضرورة- أي: الذي يُدعى من باب واحد سهل- فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: (( نعم، و أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )) رواه البخاري ، ومسلم .
نسأل الله من فضله. وهذا يعني أن أبا بكر يُدعى من كل الأبواب؛ لأنه صاحب صلاة، وصدقة، وجهاد، وصيام، فكل مسائل الخير قد أخذ منها بنصيب، رضي الله عنه وأرضاه، و ألحقنا به في جنات النعيم.
وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها، وهي أن بعض الطلبة يظنون أن المراد بالظل ((في ظل يوم لا ظل إلا ظله)) أنه ظلُّ الرب- عز وجل- وهذا ظن خاطئ جدًّا، لا يظنه إلا رجلٌ جاهل، وذلك أن من المعلوم أن الناس في الأرض، وأن الظل هذا يكون عن الشمس، فلو قُدِّرَ أن المراد به ظل الرب- سبحانه وتعالى- لزم من هذا أن تكون الشمس فوق الله، ليكون حائلًا بينها وبين الناس، وهذا شئ مستحيل ولا يمكن؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- قد ثبت له العلو المطلق من جميع الجهات،
ولكن المراد ظلٌّ يخلقه الله في ذلك اليوم يظل من يستحقون أن يظلهم الله في ظله،
وإنما أضافه الله إلى نفسه ؛لأنه في ذلك اليوم لا يستطيع أحد أن يُظَلَّلُ بفعل مخلوق، فليس هناك بناء ولا شئ يوضع على الرؤوس، إنما يكون الظل ما خلقه الله لعباده في ذلك اليوم، فلهذا أضافه الله إلى نفسه لاختصاصه به.
ومما يكون في ذلك اليوم: نشر الدواوين أي: صحائف الأعمال التي كُتبت على المرء في حياته، وذلك لأن الله- سبحانه وتعالى- وكَّلَ بِكُلِّ إنسان ملَكين: أحدهما عن اليمين، والثاني عن الشمال، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)﴾[ق:16ـ 18].
هذان الملَكان الكريمان يكتبان كل ما يعلمه المرء من قول أو فعل، أما ما يحدِّث به نفسه فإنه لا يكتب عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به)) أخرجه البخاري ، ومسلم.
لكن القول والفعل يكتب على الإنسان، كاتب الحسنات على اليمين وكاتب السيئات على الشمال، فيكتبان كل ما أُمرا بكتابته، فإذا كان يوم القيامة أُلزم كل إنسان هذا الكتاب في عنقه، كما قال الله تعالى ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء:13] ، ويُخرج له هذا الكتاب فيقال: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء:14] ، فيقرأه له، ويتبيَّن كل ما عنده. هذا الكتاب المنشور مِنَ الناس مَن يأخذه بيمينه، ومِنَ الناس مَن يأخذه بشماله من وراء ظهره. أما من يأخذه بيمينه- أسأل الله أن يجعلنا منهم- فإنه يقول للناس ﴿هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة:19]، يُريهم إياه فرحًا ومسرورًا بما أنعم الله به عليه. وأما من أُوتي كتابه بشماله فيقول حزنًا وغمًّا وهمًّا ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة:25]. ومما يجب الإيمان به في ذلك اليوم: أن تؤمن بالحساب، بإن الله تعالى يحاسب الخلائق، كما قال الله تعالى:﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:47]، وقال الله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾ [الانشقاق:8]، فيحاسب الله الخلائق، ولكن حساب المؤمن حساب يسير ليس فيه مناقشة، يخلو الله سبحانه وتعالى بعبده المؤمن ويضع عليه سِترَهُ، ويُقرِّرَهُ بذنوبه، يقول: أتذكرُ كذا ،أتذكرُ كذا؟ حتى يقول: نعم، ويُقرُّ بذلك كلِّه،فيقول الله- عز وجل- له: ((إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)) رواه البخاري ، ومسلم.
وما أكثر الذنوب التي سترها الله علينا! فإذا كان الإنسان مؤمنًا قال الله له: (( فإني قد سترتها عليك في الدنيا، و إني أغفرها لك اليوم)) الخ.
أما الكافر- والعياذ بالله- فإنه يُفضحُ ويُخزى، ويُنادى على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود:18].
ومما يجب الإيمان به مما يكون في يوم القيامة: الحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو حوض يُصَبُّ عليه ميزابان من الكوثر، وهو النهر الذي أُعْطِيَهُ النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر:1]، فيصب منه ميزابان على الحوض الذي يكون في عرصات يوم القيامة. وصفه النبي- عليه الصلاة والسلام- بأن ماءه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، و أطيب من رائحة المسك، وأن آنيته كنجوم السماء، وأن طوله شهر وعرضه شهر، وأن من شرب منه مرَّةً واحدة فإنه لا يظمأ بعدها أبدًا . رواه البخاري ، ومسلم.
هذا الحوض يَرِدُهُ المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم- أسأل الله أن يُوردني وإياكم إياه- يَرِدهُ المؤمنون يشربون منه،
وأما من لم يؤمن بالرسول- عليه الصلاة والسلام- فإنه يُطرَدُ عنه ولا يشرب منه، نسأل الله العافية.
وهذا الحوض الذي جعله الله للنبي-عليه الصلاة والسلام- هو أعظم حِياض الأنبياء، ولكلِّ نبيٍّ حوضٌ يرده المؤمنون من أمَّته، لكنها لا تُنسبُ إلى حوض الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن هذه الأمة يمثِّلون ثُلُثي أهل الجنة، فلا جرم أن يكون حوض النبي- عليه الصلاة والسلام- أعظم الحياض و أكبرها و أوسعها وأعظمها وأشملها.
ومما يجب الإيمان به أيضًا في ذلك اليوم: الإيمان بالصِّراط ، والصراط جسر منصوب على جهنم، وهو أدقُّ من الشعر وأحدُّ من السيف، يَمُرُّ الناسُ عليه على قدر أعمالهم، من كان مسارعًا في الخيرات في الدنيا كان سريعًا في المشي على هذا الصراط، ومن كان متباطئًا كان متباطئًا، ومن كان قد خَلَطَ عملا صالحًا و آخر سيئًا ولم يعف الله عنه فإنه ربما يكردس في النار والعياذ بالله!
يختلف الناس في المشي عليه، فمنهم من يمر كلمحِ البَصَر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالرِّيح، ومنهم من يمر كالفَرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يمشي، ومنهم من يَزحَف، ومنهم من يُلقى في جهنم.
وهذا الصراط لا يمر عليه إلا المؤمنون فقط، أما الكافرون فإنهم لا يمرُّون عليه؛ وذلك لأنهم يساقون في عرصات القيامة إلى النار مباشرة _ نسأل الله العافية_ فإذا عبروا على الصراط وقفوا على قنطرةٍ بين الجنة والنار، فيُقتصُّ من بعضهم لبعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي يكون في عرصات يوم القيامة، هذا القصاص - والله أعلم - يراد به أن تتخلَّى القلوب من الأضغانِ والأحقادِ والغلِّ، حتى يدخلوا الجنة وهم على أكمل حال،
وذلك أن الإنسان وإن اقتُصَّ له ممن اعتدى عليه فلا بد أن يبقى في قلبه شئ من الغلِّ والحقد على الذي اعتدى عليه، ولكن أهل الجنة لا يدخلون الجنة حتى يُقْتَصُّ لهم اقتصاصًا كاملًا، فيدخلونها على أحسن وجه، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة، ولكن لا يُفتح باب الجنة لأحد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا يشفعُ هو بنفسه لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، كما أنه شفع للخلائق أن يُقضى بينهم ويستريحوا من الهول والكرب والغم الذي أصابهم في عرصات القيامة،
وهاتان الشفاعتان خاصتان برسول الله صلى الله عليه وسلم _ أعني الشفاعة في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم، والشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة_
فيكون له صلى الله عليه وسلم شفاعتان: إحداهم في نجاة الناس من الكروب والهموم،
والثانية في حصول مطلوبهم، وهو فتح باب الجنة فيفتح.
فأول من يدخل الجنة من الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل كل الناس، و أوَّل مَن يدخلها من الأمم أمة النبي صلى الله عليه وسلم، أما أهل النار - والعياذ بالله- فيساقون إلى النار زُمرًا، ويدخلونها أمة بعد أمة، ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ والعياذ بالله.
الثانية تلعنُ الأولى وهكذا، و يتبرَّأ بعضهم من بعض، نسأل الله العافية.
فإذا أتَوْا إلى النار وجدوا أبوابها مفتوحة، حتى يُبْغتوا بعذابها والعياذ بالله، فيدخونها ويخلَّدُ فيها الكفار أبد الآبدين، إلى أبدٍ لا منتهى له، كما قال الله - عز وجل - في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء168،169] .
وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب:64ـ 68].
وقال سبحانه وتعالى:﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجـن: 23]
فهذه ثلاث آيات من كتاب الله- عز وجل - كلها فيها التصريح بأن أهل النار خالدون فيها أبدًا،
ولا قول لأحد بعد كلام الله عز وجل.
كما أن أهل الجنة خالدون فيها أبدًا.
فإن قال قائل: إن الله تعالى قال في سورة هود: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود:106ـ 108]،
ففي أهل الجنة قال: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ يعني غير مقطوع، بل هو دائم.
وفي أهل النار قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ فهل هذا يعني أن أهل النار ينقطع عنهم العذاب؟
فالجواب: نقول لا، ولكن لما كان أهل الجنة يتقلَّبون بنعمة الله بيَّن الله- سبحانه وتعالى- أن عطاءهم لا ينقطع، أما أهل النار فلما كانوا يتقلَّبون بعدل الله قال:﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ فلا معقِّب لحكمه ، وقد أراد أن يكون أهل النار في النار، فهو يفعل ما يريد.
هذا هو الفرق بين أهل النار وأهل الجنة، فأهل الجنة عطاؤهم غير مجذوذ، وأما أهل النار فإنهم يتقلَّبون بعدل الله، والله سبحانه وتعالى فعَّالٌ لما يريد.
هذا الكلام فيما تيسَّر مما يتعلَّق بالإيمان باليوم الآخر.
وقوله: ((وأن تؤمن بالقدر خيره وشرِّه)) هذا الركن السادس.
والقدر: هو تقدير الله- سبحانه وتعالى - لما يكون إلى يوم القيامة، وذلك أن الله- سبحانه وتعالى - خلق القلم فقال له اكتب، قال: ربي وما أكتب؟ قال: اكتب ماهو كائن؟ فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ،
فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطاءه لم يكن ليصيبه، وقد ذكر الله هذا في كتابه إجمالًا فقال: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[الحج:70]، وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد:22]، من قبل أن نبرأها أي: من قبل أن نخلقها، أي: من قبل أن نخلقَ الأرض، ومن قبل أن نخلق أنفسكم، ومن قبل أن نخلقَ المصيبة، فإن الله كتب هذا من قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
قال أهل العلم: ولا بد للإيمان بالقدر من أن تؤمن بكل مراتبه الأربع:
المرتبة الأولى: أن تؤمن بأن الله- سبحانه وتعالى- عليم بكل شئ،
وهذا كثير في الكتاب العظيم، يذكر الله عموم علمه بكل شئ، كما قال الله تعالى:﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:12] ، ولقوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:59].
المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله تعالى كتب مقادير كل شئ إلى قيام الساعة، كتبه قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة،
فكل شيء كائن فإنه مكتوب قد انتُهيَ منه، جفَّت الأقلام وطُويَت الصحف، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإذا أصابك شيء لا تقل لو فعلت كذا ما أصابني؛ لأن هذا الشيء مكتوب لابد أن يقع كما كتب سبحانه وتعالى، فلا مَفَرَّ منه مهما عملت، فالأمر سيكون على ما وقع لا يتغيَّر أبدًا؛ لأن هذا أمر قد كُتب.
فإن قال قائل: ألم يكن قد جاء في الحديث: ((من أحب أن يُبسَطَ له في رزقه، ويُنسأ له في أثَرِه، فلْيَصِل رَحِمَه)) ؟رواه البخاري ، ومسلم .
فالجواب: بلى قد جاء هذا، ولكن الإنسان الذي قد بُسط له في رزقه ونُسِىءَ له في أثره من أجل الصلة، قد كُتب أنه سيصلُ رحمه، وأنه سيُبسط له في الرزق، وأنه سيُنسأ له في الأثر، لابد أن يكون الأمر هكذا، ولكن الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: ((من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره)) الحديث، من أجل أن نُبادر ونسارع في صلة الرحم، وإلا فهو مكتوب أن الرجل سوف يصل رحمه ويحصل له هذا الثواب، أو أنه لن يصل رحمه ويحرم من هذا الثواب، أمرٌ منته، لكن أخبرنا الرسول- عليه الصلاة والسلام - بهذا من أجل أن نحرص على صلة الرحم.
واعلم أن الكتابة في اللوح المحفوظ يعقبها كتابات أُخَر، منه: أن الجنين في بطن أمه إذا تم له أربعةُ أشهرٍ أرسل الله إليه ملَكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكَتبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشَقيٌّ أم سعيد، فيكتبُ ذلك،
وهذه الكتابة غير الكتابة في اللوح المحفوظ، هذه كتابة في مقتبلِ عمر الإنسان، ولهذا يسميها العلماء: الكتابة العُمرية، يعني نسبةً للعُمر.
كذلك: هناك كتابة أخرى تكون في كل سنة، وهي في ليلة القدر، فإن ليلة القدر يكتب الله فيها ما يكون في تلك السنة، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان:4،3] ، ((يُفْرَقُ)) أي: يُبيَّن ويُفصَّل، و لهذا سُميت ليلة القدر.
المرتبة الثالثة للإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن كل شيء فهو بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء،
ولا فرق بين أن يكون هذا الواقع مما يختص الله به، كإنزال المطر وإحياء الموتى وما أشبه ذلك، أي مما يعلمه الخلق، كالصلاة والصيام وما أشبهها، فكل هذا بمشيئة الله، قال الله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير:29،28]. وقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[البقرة:253]،
فبيَّن الله- سبحانه وتعالى- لنا أنه لا مشيئة لنا إلا بمشيئة الله، وأن أفعالنا واقعة بمشيئة الله﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ ، ولكن كل شيءفإنه واقع بمشيئة الله، فلا يكون في ملكه ما لا يشاء أبدًا،
ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ((ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)).
وأما المرتبة الرابعة: فهي الإيمان بأن كل شئ مخلوق لله، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾[الزمر:62]، وقال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفرقان: 2]
فكل شيء واقع فإنه مخلوق لله عز وجل، فالإنسان مخلوق لله وعمله مخلوق لله، قال الله عن إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- وهو يُخاطب قومه:﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:96]، ففعل العبد مخلوق لله، لكن المباشر للفعل هو العبد وليس الله، لكن الله هو الذي خلق هذا الفعل ففعله العبد، فهو منسوب لله خلقًا ومنسوب إلى العبد كَسْبًا وفعلًا، فالفاعل هو العبد والكاسب هو العبد، والخالق هو الله.
فكل شيء مما يحدث فإنه مخلوق لله- عز وجل - لكن ما كان من صفات الله فليس بمخلوق، فالقرآن مثلًا أنزَله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لكنه ليست بمخلوق؛ لأن القرآن كلام الله ،وكلام الله صفة من صفاته - سبحانه - ليست مخلوقة.
هذه مراتب أربعٌ للإيمان بالقدر! يجب أن تؤمن بها كلها، وإلا فإنك لم تؤمن بالقدر.
وفائدة الإيمان بالقدر عظيمة جدًّا؛ لأن الإنسان إذا علم أن الشيء لابد أن يقع كما أمر الله استراح، فإذا أُصيب بضراء صَبَر وقال هذا من عند الله، وإن أُصيب بسرَّاء شَكَر وقال هذا من عند الله،
وقد ثبت عن - النبي عليه الصلاة والسلام - أنه قال: ((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمْرَهُ كلُهَّ خير، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له)) ؛ لأن المؤمن يؤمن أن كل شيء بقضاء الله، فيكون دائمًا في سرور، ودائمًا في انشراح؛ لأنه يعلم أن ما أصابه فإنه من الله، إن كان ضرَّاء صبر وانتظر الفرج من الله ولجأ إلى الله تعالى في كشف هذه الضراء، وإن كان سرَّاء شكر وحمدَ الله وعلم أن ذلك لم يكن بحوله ولا قوَّته لكن بفضلٍ من الله ورحمة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((خيره وشرِّه)): الخيرُ ما ينتفع به الإنسان ويلائمه، من عِلمٍ نافع، ومالٍ واسعٍ طيِّب، وصحَّة، وأهل وبنين وما أشبه ذلك. والشرُّ ضدُّ ذلك، من الجهل والفقر والمرض وفقدان الأهل والأولاد وما أشبه هذا. كل هذا من الله سبحانه وتعالى، الخير والشر، فإن الله سبحانه يقدِّر الخير لحكمة ويقدِّر الشرَّ لحكمة، كما قال الله عز وجل: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون﴾[الأنبياء:35]. فإذا علمَ الله أن من الخير والحكمة أن يقدِّر الشر قدَّره لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، كقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41]. فإذا قال قائل: كيف تجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الشر ليس إليك))(284)، فنفى أن يكون الشرُّ إليه؟ فالجواب على هذا أن نقول: إن الشر المحض لا يكون بفعل الله أبدا، فالشر المحض الذي ليس فيه خيرٌ لا حالا ولا مآلا لا يمكن أن يوجد في فعل الله أبدا، هذا من وجه، لأنه حتى الشر الذي قدره الله شرًّا لابد أن يكون له عاقبة حميدة ، ويكون شرًّا على قوم وخيرًا عل آخرين. أرأيت لو أنزل الله المطر مطرًا كثيرا فأغرق زرع إنسان، لكنه نفع الأرض وانتفعت به أمة، لكان هذا خيرًا بالنسبة لمن انتفع به، شرًّا لمن تضرر به، فهو خير من وجه وشر من وجه. ثانيا: حتى الشرُّ الذي يقدِّره الله على الإنسان هو خير في الحقيقة، لأنه إذا صبر واحتسب الأجر من الله نال بذلك أجرا أكثر بأضعاف مضاعفة مما ناله من الشر، وربما يكون سببا للاستقامة ومعرفة قدر نعمة الله على العبد فتكون العاقبة حميدة. ولهذا ذُكِرَ عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعها أو يدها فانجرحت فصبرت وشكرت الله على هذا وقالت: (( إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها))! ثم نقول: إن الشر في الحقيقة ليس في فعل الله نفسه، بل في مفعولاته، فالمفعولات هي التي فيها خير وشر، أما الفعل نفسه فهو خير، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق:2،1]، أي: من شرِّ الذي خلقه الله ، فالشر إنما يكون في المفعولات لا في الفعل نفسه، أما فعل الله فهو خير. ويدلك لهذا أنه لو كان عندك مريض وقيل إن من شفائه أن تكويَهُ بالنار، فكويْتَهُ بالنار، فالنار مؤلمة بلا شك، لكن فعلُك هذا ليس بشر، بل هو خير للمريض، لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة بهذا الكي، كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر، هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير،لأنه يترتب عليها خير كثير. فإن قال قائل: كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿مَّآأَصَابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفسِكَ﴾[النساء:79] . فالجواب أن نقول: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ يعني من فضله، هو الذي مَنَّ عليك بها أوَّلاً وآخرًا ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ أي: أنت سببها، وإلا فالذي قدَّرها هو الله، لكن أنت السبب، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى:30]. وخلاصة الكلام: أن كل شيء واقع فإنه بقدر الله، سواء كان خيرًا أم شرًّا. ثم قال عمر- رضي الله عنه- فيما نقله عن جبريل- عليه الصلاة والسلام- قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((أخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). الإحسان: ضدُّ الإساءة، والمراد بالإحسان هنا إحسان العمل، فبيَّن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، يعني: تُصَلِّي وكأنك ترى الله عز وجل، وتزكِّي وكأنك تراه، وتصوم وكأنك تراه، وتحج وكأنك تراه، تتوضأ وكأنك تراه، وهكذا بقية الأعمال. وكون الإنسان يعبد الله كأنه يراه دليل على الإخلاص لله- عز وجل - وعلى إتقان العمل في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن كل من عبد الله على هذا الوصف فلا بد أن يقع في قلبه من محبَّةِ الله وتعظيمه ما يحمله على إتقان العمل وإحكامه. ((فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) أي: فإن لم تعبد الله على هذا الوصف فاعبده على سبيل المراقبة والخوف((فإنه يَرَاك)) ومعلوم أن عبادة الله على وجه الطلب أكمل من عبادته على وجه الهرب! فها هنا مرتبتان: المرتبة الأولى: أن تعبد الله كأنك تراه، و هذه مرتبة الطلب. والثانية: أن تعبد الله وأنت تعلم أنه يراك، وهذه مرتبة الهرب، وكلتاهما مرتبتان عظيمتان، لكن الأولى أكمل وأفضل. ثم قال جبريل: ((أخبرني عن الساعة))، أي: عن قيام الساعة التي يبعث فيها الناس ويُجازَونَ فيها على أعمالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، المسؤول عنها: يعني نفسه عليه الصلاة والسلام، بأعلم من السائل: يعني جبريل، يعني: أنك إذا كنت يا جبريل تجهلها، فأنا كذلك أجهلها. فهذان رسولان كريمان أحدهما رسول ملكي، والثاني رسول بشري، وهما أكمل الرسل، ومع ذلك فكلٌّ منهما ينفي أن يكون له علم بالساعة، لأن علم الساعة عند من بيده إقامتها عز وجل، وهو الله تبارك وتعالى، كما قال الله في آيات متعددة: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف:187]، ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب:63]، فعلمها عند الله، فمن ادَّعى علم الساعة فإنه كاذب، ومن أين له أن يعلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم، وجبريل - عليه الصلاة والسلام - لا يعلم، وهما أفضل الرسل. ولكن الساعة لها أمارات، كما قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد:18]، أي: علاماتها. ولهذا لما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أنه لا علم له بذلك قال: ((فأخبرني عن أماراتها)) أي: علاماتها الدالة على قربها. فقال: ((أن تلدَ الأمةُ ربَّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) الأول: ((أن تلد الأمة ربتها)) يعني: أن تكون الأمة المملوكة تتطوَّر بها الحال حتى تكون ربَّةً للمماليك الآخرين، وهو كناية عن كثرة الأموال. وكذلك الثاني: ((وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) الحفاةُ: الذين ليس لهم نِعال من الفقر، والعُراةُ: ليس لهم كسوة من الفقر، العَالة: الفقراء. يتطاولون في البنيان: يعني أنهم لا يلبثون إلا أن يكونوا أغنياء يتطاولون في البنيان حسًّا ومعنى،يتطاولون في البنيان حسًّا بأن يرفعوا بنيانهم إلى السماء، ويتطاولون فيها معنى بأن يحسِّنوها ويزيِّنوها ويُدخلوا عليها كل ما يكون من مكمِّلاتها، لأن لديهم وفرة من المال. وكل هذا وقع، وهناك أمارات أخرى وعلامات أخرى ذكرها أهل العلم في باب الملاحم والفِتَنِ وأشراط الساعة وهي كثيرة. ثم انطلق جبريل - عليه الصلاة والسلام - ولبثوا ما شاء أن يلبثوا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ((أتدرى من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم!)) قال: ((فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)). وفي هذا الحديث من الفوائد: 1- إلقاء المسائل على الطلبة ليمتحنهم، كما ألقى النبي عليه الصلاة والسلام - المسألة على عمر رضي الله عنه. 2- وفيه أيضا: جوازُ قول الإنسان: الله ورسوله أعلم، ولا يلزمه أن يقول: الله ثم رسوله أعلم، لأن علم الشريعة الذي يصلُ إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - من علم الله، فعلم الرسول من علم الله- سبحانه وتعالى - فصحَّ أن يقال: الله ورسوله أعلم، كما قال الله تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾[التوبة:59]، ولم يقل: ثم رسوله، لأن الإيتاء هنا إيتاء شرعي، وإيتاء النبي صلى الله عليه وسلم الشرعي من إيتاء الله. فالمسائل الشرعية يجوز أن تقول: الله ورسوله، بدون (ثمَّ) أما المسائل الكونية، كالمشيئة وما أشبهها، فلا تقال: الله ورسوله، بل: الله ثمَّ رسوله، ولهذا لما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. قال: ((أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده)) (285) ، 3- وفي هذا دليل على أن السائل إذا سأل عن شئ يَعْلَمهُ من أجل أن ينتفع الآخرون فإنه يكون معلِّما لهم،لأن الذي أجاب: النبي - عليه الصلاة والسلام - وجبريل سائل لم يعلِّمِ الناس، لكن كان سببًا في هذا الجواب الذي ينتفع به الناس. فقال بعض العلماء: إنه ينبغي لطالب العلم إذا جلس مع عالم في مجلس أن يسأل عن المسائل التي تَهمُّ الحاضرين وإن كان يعلم حُكمها، من أجل أن ينفع الحاضرين ويكون معلِّما لهم. 4- وفي هذا دليل على بركة العلم، وأن العلم ينتفعُ به السائل والمجيب، كما قال هنا: ((يُعَلِّمُكُم دِينَكُم)). 5- وفيه أيضا دليلٌ أن هذا الحديث حديث عظيم يشتمل على الدين كُلِّه، ولهذا قال: ((يعلِّمكم دينكم)) ؛ لأنه مشتمل على أصول العقائد وأصول الأعمال. أصول العقائد وأصول الأعمال هي أركان الإسلام الخمسة. والله الموفق.
***
| |
|