إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: شرح أحاديث رياض الصالحين . باب المراقَبة ( جزء 2 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين . الإثنين ديسمبر 14, 2015 7:48 pm | |
|
شرح أحاديث رياض الصالحين . باب المراقَبة ( جزء 2 ) .
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا .
قال: ((أخبرني عن الإسلام)) أي: ما هو الإسلام ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)). هذا الركن الأول: تشهد بلسانك نطقًا، وبقلبك إقرارًا: أن لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى . وألوهية الله فرع عن ربوبيته؛ لأن من تأله لله فقد أقرَّ بالربوبية ، إذ إن المعبود لابد أن يكون ربًّا، ولابد أن يكون أيضًا كامل الصفات، ولهذا تجد الذين ينكرون صفات الله- عز وجل- عندهم نقص عظيم في العبودية، لأنهم يعبدون من لا شيء. فالرب لابد أن يكون كامل الصفات، حتى يُعبَدَ بمقتضي هذه الصفات ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]، ((ادعوه)) أي: تعبَّدوا له وتوسَّلوا بأسمائه إلى مطلوبكم.فالدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة. المهم أنه قال: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله))، فلا إله من الخلق، لا مَلَك مقرب ولا نبي مرسل، ولا شمس، ولا قمر ولا شجر ولا حجر، ولا بر ولا بحر، ولا ولي ولا صديق ولا شهيد، ، لا إله إلا الله وحده. وهذه الكلمة أرسل الله بها جميع الرسل، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25] ، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36] ، أي: ابتعدوا عن الشرك. فهذه الكلمة إذا حققها الإنسان وقالها من قلبه ملتزمًا بما تقتضيه من الإيمان والعمل الصالح، فإنه يدخل الجنة بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))أخرجه أبو داود ، والإمام أحمد .
جعلنا الله وإياكم منهم. وقوله: ((وأن محمدًا رسول الله)) أي: تشهد بأن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي رسول الله، ولم يذكر من سواه من الرسل؛ لأنه نسخ جميع الأديان كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ناسخ لما قبله من الأديان. فكل الأديان باطلة ببعثه الرسول عليه الصلاة والسلام، فدين اليهود باطل، ودين النصارى باطل غير مقبول عند الله ؛ لقول الله تعالى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] . يتعبون في عبادتهم التي ابتدعوها تعبًا عظيمًا، وينصبون نصبًا عظيمًا، وكل هذا هباء لا ينفعهم بشيء، لن تقبل منهم . وقوله:﴿وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فلو ربحوا في الدنيا ما ربحوا في الآخرة؛ لأن أديانهم باطلة، فالذين يدَّعون الآن من النصارى أنهم ينتسبون إلى عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام- هم كذابون ، والمسيح بريء منهم، ولو جاء المسيح لقاتلهم، وسينزل في آخر الزمان ولا يقبل إلا الإسلام. فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية فلا يقبلها من أحد ، لا يقبل إلا الإسلام. وقوله: ((وأن محمدًا رسول الله)) أي: إلى الخلق كافة ، كما قال الله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان:1]،
للعالمين كلهم . وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158] ،
فهو رسول إلى جميع الخلق. وقد أقسم صلى الله عليه وسلم : (( أنه لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار)) أخرجه مسلم. ولذلك نحن نؤمن ونعتقد بأن جميع النصارى واليهود وغيرهم من الكفرة كلهم من أصحاب النار؛ لأن هذه شهادة النبي عليه الصلاة والسلام، والجنة حرام عليهم؛ لأنهم كفرة أعداء لله تعالى ولرسله عليهم الصلاة والسلام، أعداء لإبراهيم ، ولنوح، ولمحمد، ولموسى، ولعيسى، ولجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام . وقوله: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله)) مع قوله: ((وأن محمدًا رسول الله)) هذان جَمَعَا شرطي العبادة، وهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن من قال : لا إله إلا الله أخلص لله، ومن شهد أن محمدًا رسول الله اتبع رسول الله ولم يتبع سواه. ولهذا عُدَّ هذان ركنا واحدًا من أركان الإسلام؛ لأنهما يعودان إلى شئ واحد، وهو تصحيح العبادات؛ لأن العبادات لا تصح إلا بمقتضى هاتين الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله التي يكون بها الإخلاص، وأن محمد رسول الله التي يكون بها الاتباع . وقوله: ((وأن محمدًا رسول الله)) يجب أن تشهد بلسانك، مقرًّا بقلبك، أن محمدًا رسول الله، أرسله إلى العالمين جميعًا رحمة بالعالمين، كما قال الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] ، و أن تؤمن بأنه خاتم النبيين، كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40]، فلا نبي بعده، ومن ادَّعى النبوة بعده فهو كافر كاذب، ومن صدقه فهو كافر.
و يلزم من هذه الشهادة أن تتبعه في شريعته و سنته، و أن لا تبتدع في دينه ما ليس منه ، و لهذا نقول: أن أصحاب البدع الذين يبتدعون في شريعة الرسول صلى الله عليه و سلم ما ليس منها أنهم لم يحققوا شهادة: أن محمدًا رسول الله ! حتى و إن قالوا أننا نحبه و نعظمه، فإنهم لو أحبوه تمام المحبة و عظموه تمام التعظيم ما تقدموا بين يديه، و لا أدخلوا في شريعته ما ليس منها. فالبدعة مضمونها حقيقة القدح برسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما يقول هذا المبتدع: أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكملِ الدين و لا الشريعة، لأن هناك دينًا و شريعةً ما جاء بها ! ثم في البدعة محذور آخر، وهو عظيم جدًّا، وهو أنه يتضمن تكذيب قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3]؛ لأن الله تعالى إذا كان أكمل الدين، فمعناه أنه لا دين بعدما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام، و هؤلاء المبتدعون شرعوا في دين الله ما ليس منه، من تسبيحات و تهليلات و حركات و غير ذلك، فهم في الحقيقة مكذبون لمضمون قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾. وكذلك قادحون برسول الله صلى الله عليه و سلم متهمون إياه بأنه لم يكمل الشريعة للبشر، و حاشاه من ذلك . ومن تمام شهادة أن محمدًا رسول الله أن تُصَدِّقه فيما أخبره به، فكل ما صح عنه وجب عليك أن تصدق به، و أن لا تعارض هذا بعقلك و تقديراتك و تصوراتك، لأنك لو لم تؤمن إلا بما صدق به عقلك لم تكن مؤمنًا حقيقة، بل متبعًا لهواك لا آخذًا بهداك، والذي يؤمن بالرسول عليه الصلاة و السلام- حقًّا يقول فيما صح عنه من الأخبار: سمعنا و آمنا و صدقنا . أما أن يقول: كيف كذا؟ كيف يكون كذا؟ فهذا غير مؤمن حقيقة، و لذلك يُخشى على أولئك القوم الذين يحكمون عقولهم فيما أخبر به الرسول عليه الصلاة و السلام، لأنهم إن كانوا لا يقبلون إلا بما شهدت به عقُولهم- و عقولهم لا شك إنها قاصرة- فإنهم لم يؤمنوا حقًّا برسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يشهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم على وجه الحقيقة ، عندهم من ضعف هذه الشهادة بمقدار ما عندهم من التشكك فيما أخبر به .
كذلك من تحقيق شهادة: ((أن محمدًا رسول الله)) ألا تغلو فيه فتنزله بمنزلة أكبر من المنزلة التي أنزله الله إياها ، مثل أولئك الذين يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه و سلم يكشف الضر، حتى إنهم عند قبره يسألون النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أن يكشف الضر عنهم، وأن يجلب النفع لهم. هذا غلو في الرسول - عليه الصلاة والسلام - وشرك بالله عز وجل ! لا يقدر أحد على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم بعده موته لا يملك لنفسه شيئًا أبدًا. حتى الصحابة لما أصابهم القحط في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-واستسقوا في مسجد الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما جاءوا إلى القبر يسألون الرسول أو يقولون ادعُ الله لنا أو اشفع لنا عند الله حتى ينزل الغيث. قال عمر يدعو الله : (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسْقِنا)) أخرجه البخاري .
ثم أمر العباس أن يقوم ويدعو الله تعالى بإنزال الغيث . لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميِّت لا عمل له بعد موته، هو الذي قال: (( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )) أخرجه مسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لا يملك شيئًا، لا يملك أن يدعو لك وهو في قبره أبدًا.
فمن أنزله فوق منزلته التي أنزله الله فإنه لم يحقق شهادة ((أن محمدًا رسول الله)) بل شهد أن محمدًا رب مع الله نعوذ بالله؛ لأن معنى كونه رسولًا أنه عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب، نحن في صلاتنا كل يوم نقول: (( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله)).فهو عبدٌ كغيره من العباد مربوب، والله هو المعبود عز وجل وهو الرب . إذًا نقول لهؤلاء الذين نجدهم يغلون برسول الله صلى الله عليه وسلم وينزلونه فوق منزلته التي أنزله الله، نقول لهم: إنكم لم تحققوا لا شهادة أن لا إله إلا الله، ولا شهادة أن محمدًا رسول الله.
فالمهم أن هاتين الشهادتين عليهما مدار عظيم، كل الإسلام فهو عليهما . لذلك لو أراد الإنسان أن يتكلم على ما يتعلق بهما منطوقًا ومفهومًا ومضمونًا و إشارة لاستغرق أيامًا! ولكن نحن أشرنا إشارة إلى ما يتعلق بهما، و نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحققهما عقيدة، وقولًا، وفعلًا !
الركن الثاني: إقام الصَّلاة : الصلاة سميت صلاة لأنها صلة بين العبد وبين الله، فإن الإنسان إذا قام يصلي فإنه يناجي ربه ويحاوره، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قال: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال مجَّدني عبدي، فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال : ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) أخرجه مسلم .
فتأمل محاورةً ومناجاة بين الإنسان وبين ربه، ومع ذلك فالكثير منا في هذه المناجاة معرض بقلبه، تجده يتجوَّل يمينًا وشمالًا، مع أنه يناجي من يعلم ما في الصدور عز وجل. وهذا من جهلنا وغفلتنا. فالواجب علينا- و نسأل الله أن يُعيننا عليه- أن تكون قلوبنا حاضرة في حال الصلاة حتى تبرأ ذمتنا وحتى ننتفع بها؛لأن الفوائد المترتبة على الصلاة إنما تكون على صلاة كاملة، ولهذا كلنا يقرأ قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت:45] ، ومع ذلك يأتي الإنسان ويصلي فلا يجد في قلبه إنكارًا لمنكر، أو عرفًا لمعروف زائدًا عما سبق حين دخوله في الصلاة ، يعني لا يتحرك القلب ولا يستفيد ؛ لأن الصلاة ناقصة، هذه الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين . وقد فرضها الله- عز وجل- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بدون واسطة من الله إلى الرسول، وفرضها عليه في أعلى مكان وَصَلُه بَشَر، وفرضها عليه في أشرف ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليلة المعراج، وفَرَضَها عليه خمسين صلاة في اليوم، فهذه أربعة أمور: أولًا: لم يكن فرضها كفرض الزكاة والصيام والحج، بل هو من الله تعالى مباشرة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام . ثانيًا: من ناحية المكان فهو في أعلى مكان وصل إليه البشر، تُفرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الأرض. ثالثًا: من ناحية الزمان في أشرف ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليلة المعراج . رابعًا: في الكمية: لم تفرض صلاة واحدة، بل خمسون صلاة، مما يدل على محبة الله لها، وأنه يحب مِن عبده أن يكون مشغولًا بها. ولكن الله جعل لكل شئ سببًا، لما نزل الرسول- عليه الصلاة والسلام- مسلمًا لأمر الله قانعًا بفريضة الله، ومر بموسى- عليه الصلاة والسلام- وسأله موسى: ماذا فرض الله على أمتك؟ قال: ((خمسين صلاة في اليوم والليلة))، قال: أن أمتك لا تطيق ذلك، إنني جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة اذهب إلى ربك و اساله أن يخفف على أمتك!
وهذا جزء من حديث طويل أخرجه البخاري،
فذهب إلى الله، وجعل يتردد بين موسى- عليه الصلاة والسلام- وبين الله- عز وجل- حتى جعلها الله خمسًا، لكن الله بمنه وكرمه - له الحمد والفضل - قال: هي خمس بالفعل، وخمسون في الميزان، وليس هذا من باب قبيل الحسنة بعشر أمثالها، بل من باب قبيل الفعل الواحد يجزئ عن خمسين فعلًا، فهذه خمس صلوات عن خمسين صلاة، فكأنما صلينا خمسين صلاة، كل صلاة الحسنة بعشر أمثالها لأنه لو كان هذا من باب مضاعفة الحسنات لم يكن هناك فرق بين الصلوات وغيرها، لكن هذه خاصة، صلِّ خمس كأنما صليت خمسين صلاة، قال: هي خمس في الفعل وخمسون في الميزان، وهذا يدل على عظم هذه الصلوات، ولهذا فرضها الله- سبحانه وتعالى- على عباده في اليوم والليلة خمس مرات لابد منها. لابد أن تكون مع الله خمس مرات تناجيه في اليوم والليلة. ولو أن أحدًا من الناس حصل له مقابلة بينه وبين الملك خمس مرات باليوم لعُدَّ ذلك من مناقبه ولفرحَ بذلك وقال: كل يوم أجالس الملك خمس مرات! فأنت تناجي ملك الملوك- عز وجل- في اليوم خمس مرات على الأقل، فلماذا لاتفرح بهذا؟ احمد الله على هذه النعمة وأقم الصلاة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وتقيمَ الصَّلاة)) يعني: تأتي بها قويمة تامة بشروطها وأركانها وواجباتها.
فمن أهم شروطها: الوقت: لقول الله سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]. وإذا كانت الصلوات خمسًا فأوقاتها خمسة لغير أهل الأعذار، وثلاثة لأهل الأعذار الذين يجوز لهم الجمع، فالظهر والعصر يكون وقتاهما وقتًا واحدًا إذا جاز الجمع. والمغرب والعشاء يكون وقتاهما وقتًا واحدًا إذا جاز الجمع. هذان وقتان. والفجر وقت واحد، ولهذا فصلها الله عز وجل: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْر﴾[الإسراء:78] ، ولم يقل: لدلوك الشمس إلى طلوع الفجر! بل قال: ﴿إلى غسق الليل﴾ وغسق الليل يكون عند منتصفه؛ لأن أشد ما يكون ظلمة في الليل منتصف الليل؛ لأن منتصف الليل هو أبعد ما تكون الشمس عن النقطة التي فيها هذا المنتصف، ولهذا كان القول الراجح أن الأوقات خمسة كما يلي: 1- الفجر من طلوع الفجر الثاني- وهو البياض المعترض في الأفق- إلى أن تطلع الشمس. وهنا أنبه فأقول: إن تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق في آذان الفجر على مدار السنة، فالذي يصلي أول ما يؤذن يعتبر أنه صلى قبل الوقت، وهذا شئ اختبرناه في الحساب الفلكي، واختبرناه أيضًا في الرؤية.فلذلك لا يعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر، لأنه مقدم، وهذه مسألة خطيرة جدًّا، لو تكبر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك وما صارت فريضة. وقد حدثني أناس كثيرون ممن يعيشون في البر وليس حولهم أنوار، أنهم لا يشاهدون الفجر إلا بعد هذا التقويم بثلث ساعة، أي: عشرين دقيقة أو ربع ساعة أحيانًا، لكن التقاويم الأخرى الفلكية التي بالحساب بينها وبين هذا التقويم خمس دقائق. على كل حال: وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني- وهو البياض المعترض- إلى طلوع الشمس. 2- الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، لكن بعد أن تخصم ظل الزوال؛ لأن الشمس خصوصًا في أيام الشتاء يكون لها ظل نحو الشمال، هذا ليس بعبرة، بل العبرة أنك تنظر إلى الظل مادام ينقص فالشمس لم تزل، فإذا بدأ يزيد أدنى زيادة فإن الشمس قد زالت، فاجعل علامةً على ابتداء زيادة الظل: فإذا صار ظل الشيء كطوله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر. 3- ووقت العصر إلى أن تصفر الشمس والضرورة إلى غروبها. 4- ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو يختلف، أحيانًا يكون بين الغروب وبين مغيب الشفق ساعة وربع، و أحيانًا يكون ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة، و لذلك وقت العشاء عند الناس الآن لا بأس به، واحدة ونصف ( 30 1 ) غروبي. 5- وقت العشاء من خروج وقت المغرب إلى منتصف الليل. بمعنى أنك تقدر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ثم تنصفه. فالنصف هو منتهى صلاة العشاء.
ويترتب على هذا فائدة عظيمة:لو طهرت المرأة من الحيض في الثلث الأخير من الليل فليس عليها صلاة العشاء ولا المغرب؛ لأنها طهرت بعد الوقت، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: ((وقت العشاء إلى نصف الليل)) أخرجه مسلم . وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث على أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر أبدًا. ولهذا فإن القول الراجح إلى نصف الليل، والآية الكريمة تدل على هذا، لأنه فصل الفجر عن الأوقات الأربعة ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس﴾ أي: زوالها ﴿إلى غسق الليل﴾ جمع الله بينها لأنها ليس بينها فاصل، فمن ساعة خروج الظهر يدخل العصر، ومن ساعة خروج العصر يدخل المغرب، ومن ساعة خروج المغرب يدخل العشاء، أما الفجر فقال:﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾[الإسراء:78] ، فالفجر لا تتصل بصلاة لا قبلها ولا بعدها؛ لأن بينها وبين الظهر نصف النهار الأول، وبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الآخر.واعلم أن الصلاة قبل دخول الوقت لا تقبل حتى ولو كبَّر المصلي تكبيرة الإحرام ثم دخل الوقت بعد التكبيرة مباشرة، فإنها لا تقبل على أنها فريضة؛ لأن الشيء الموقت بوقت لا يصح قبل وقته، كما لو أراد الإنسان أن يصوم قبل رمضان ولو بيوم واحد فإنه لا يجزئه عن رمضان، كذلك لو كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت فإن الصلاة لا تقبل منه على إنها فريضة، لكن إن كان جاهلًا لا يدري صارت نافلة ووجب عليه إعادتها فريضة. أما إذا صلاها بعد الوقت فلا يخلو من حالين: أ- إما أن يكون معذورًا بجهل، أو نسيان، أو نوم، فهذا تقبل منه. - الجهل: مثل أن لا يعرف أن الوقت قد دخل وقد خرج، فهذا لا شئ عليه، فإنه يصلي الصلاة متى علم وتقبل منه، لأنه معذور. - النسيان: مثل أن يكون الإنسان اشتغل بشغل عظيم أشغله وألهاه حتى خرج الوقت، فإن هذا يصليها ولو بعد خروج الوقت، والنوم كذلك، فلو أن شخصًا نام على أنه سيقوم عند الآذان، ولكن صار نومه ثقيلًا فلم يسمع الأذان، ولم يسمع المنبه الذي وضعه عند رأسه حتى خرج الوقت، فإنه يصلي إذا استيقظ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) أخرجه البخاري. ب- فأما الحالة الثانية: فأن يؤخر الصلاة عن وقتها عمدًا بدون عذر، فاتفق العلماء على أنه آثم وعاصٍ لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقال بعض العلماء: إنه يكفر بذلك كفرًا مخرجًا عن الملة، نسأل الله العافية!، فالعلماء متفقون على أنه إذا أخَّرَ الصلاة عن وقتها بلا عذر فإنه آثم عاص، ولكن منهم من قال إنه يكفر، ولكن الجمهور- وهو الصحيح- أنه لا يكفر، ولكن اختلفوا فيما لو صلاها في هذه الحال، يعني: بعد أن أخرجها عن وقتها عمدًا بلا عذر ثم صلى، فمنهم من قال: إنها تقبل- أي صلاته- لأنه عاد إلى رشده وصوابه و لأنه إذا كان الناسي تقبل منه الصلاة بعد الوقت فالمتعمد كذلك. ولكن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أنها لا تقبل منه إذا أخرها عن وقتها عمدًا ولو صلى ألف مرة، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)) ، يعني مردود غير مقبول عند الله، وإذا كان مردودًا فلن يقبل، وهذا الذي أخرج الصلاة عمدًا عن وقتها إذا صلاها فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله، فلا تُقبل منه. و أما المعذور فهو معذور، ولهذا أمره الشارع أن يصليها إذا زال عذره، إما من ليس بمعذور فإنه لو بقي يصلي كل دهره فإنها لاتقبل منه هذه الصلاة التي أخرجها عن وقتها بلا عذر، ولكن عليه أن يتوب إلى الله ويستقيم، ويكثر من العمل الصالح والاستغفار ((ومن تاب تاب الله عليه)).
الشرط الثاني من إقام الصلاة: الطهارة، فإنه لا تقبل صلاة بغير طهور. قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) أخرجه البخاري، و مسلم.
فلابد أن يقوم الإنسان بالطهارة على الوجه الذي أُمر به، فإن أحدث حدثًا أصغر مثل: البول والغائط والريح والنوم وأكل لحم الإبل فإنه يتوضأ. وفروض الوضوء كما يلي: غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، كما أمر الله بذلك في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[المائدة:6]. ومن الرأس: الأذنان، ومن الوجه: المضمضة والاستنشاق في الفم والأنف، فلابد في الوضوء من تطهير هذه الأعضاء الأربعة، غسلٌ في ثلاثةٍ ومسح في واحد. وأما الاستنجاء، أو الاستجمار: فهو إزالة النجاسة، ولا علاقة له بالوضوء، فلو أن الإنسان بال أو تغوَّط واستنجى ثم ذهب لشغله، ثم دخل الوقت، فإنه يتوضأ بتطهيره الأعضاء الأربعة، ولا حاجةإلى أن يستنجي؛ لأن الاستنجاء إزالة نجاسة، متى أُزيلت فإنه لا يعاد الغسل مرة ثانية، إلا إذا رجعت مرة ثانية. والصحيح: أنه لو نسي أن يستجمر استجمارًا شرعيًّا ثم توضأ، فإن وضوءه صحيح؛ لأنه ليس هناك ليس علاقة بين الاستنجاء وبين الوضوء. أما إذا كان محدثًا حدثًا أكبر مثل الجنابة فعليه أن يغتسل،فيعمم جميع بدنه بالماء لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6] ، ومن ذلك: المضمضة والاستنشاق، لأنهما داخلان في الوجه، فيجب تطهيرهما كما يجب تطهير الجبهة والخد واللحية، والغسل الواجب الذي يكفي أن تعم جميع بدنك بالماء، سواء بدأت بالرأس أو بالصدر أو بالظهر أو بأسفل البدن، أو انغمست في بركة وخرجت منها بنية الغسل.والوضوء في الغسل سنة وليس بواجب، ويسن أن يتوضأ قبل أن يغتسل، وإذا اغتسل فلا حاجة إلى الوضوء مرة ثانية؛ لأنه لم يثبت عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ بعد اغتساله. فإذا لم يجد الماء، أو كان مريضًا يخشي من استعمال الماء، أو كان برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء، فإنه يتيمم، لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6] . فبيَّن الله حال السفر والمرض أنه يتيمم فيهما إذا لم يجد الماء في السفر. أما خوف البرد فدليله قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية فأجنبَ، فتيمم وصلى بأصحابه إمامًا. فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جُنُب؟ قال: نعم يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى:﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء:29] ، وخفت البرد فتيممت صعيدًا طيبًا فصليت)) أخرجه أبو داود. فأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يأمره بالإعادة؛ لأن من خاف الضرر كمن فيه الضرر، لكن بشرط أن يكون الخوف غالبًا أو قاطعًا، أما مجرد الوهم فهذا ليس بشيء. واعلم أن طهارة التيمم تقوم مقام طهارة الماء، ولا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء، أو بزوال العذر المبيح للتيمم، فمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده فإنه لابد أن يتطهر بالماء؛ لأن الله تعالى إنما جعل التراب طهارة إذا عُدم الماء. وفي الحديث الذي أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصعيد الطيب وضوء المسلم- أو قال طهور المسلم- وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرَتُه فإن ذلك خير)) أخرجه أبو داود ، و الترمذي ،والإمام أحمد ، و صحَّحه الألباني . وفي صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل، في قصة الرجل الذي اعتزل فلم يصلِّ مع النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: ((ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك. ثم حضر الماء فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل ماءً وقال: أفرغه على نفسك)) أي: اغتسل به. فدل هذا على أنه إذا وُجد الماء بطل التيمم، وهذه- لله الحمد- قاعدة حتى عند العامة، يقولون: (( إذا حضر الماء بطل التيمم)). أما إذا لم يحضر الماء ولم يزل العذر، فإنه يقوم مقام طهارة الماء ولا يبطل بخروج الوقت، فلو تيمم الإنسان وهو مسافر وليس عنده ماء وتيمم لصلاة الظهر مثلًا، وبقي لم يحدث إلى العشاء فإنه لا يلزمه إعادة التيمم، لأن التيمم لايبطل بخروج الوقت، لأنه طهارة شرعية، كما قال الله في القران الكريم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ْ﴾ [المائدة:6] ، فبيَّن الله أن طهارة التيمم طهارة. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) ، بفتح الطاء، أي أنها تطهِّر: ((فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ)). وفي حديث آخر: ((فعنده مسجده و طهوره)) ، يعني: فليتطهر وليصلِّ. هذا من الأشياء المهمة في إقامة الصلاة: المحافظة على الطهارة. واعلم أن من المحافظة على الطهارة: إزالة النجاسة من ثوبك وبدنك، ومصلاك الذي تصلي عليه. فلابد من الطهارة في هذه المواضع الثلاث: البدن، والثوب، والمصلى. 1 - أما الثوب فدليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يصلِّين في ثيابهن وهن يحضن بهذه الثياب أن تُزيل المرأة الدم الذي أصابها من الحيض من ثوبها، تحكُّه بظفرها ثم تقرصه بأصبعيها الإبهام والسبابة ثم تغسله ، أخرجه البخاري ، ومسلم
ولما صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعاله خلع نعليه فخلع الناس نعالهم، فلما سلَّم سألهم لماذا خلعوا نعالهم! قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا))، أخرجه ابو داود ، و الإمام أحمد ، فدل هذا على أنه لابد من اجتناب النجاسة في الملبوس. 2- أما المكان: فدليله أن أعرابيًّا جاء فبال في طائفة من المسجد، أي: في طرف من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أعرابي- والأعراب الغالب عليهم الجهل- فصاح به الناس وزجروه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته نهاهم وقال: اتركوه. فلما قضى بوله دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القران))، فقال الأعرابي: ((اللهم ارحمني ومحمَّدًا ولا ترحم معنا أحد))، لأن الصحابة زجروه، وأما النبي- عليه الصلاة والسلام- فكلَّمه بلطف، فظن أن الرحمة ضيقة لا تتسع للجميع، وقال: (( اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحد)). ويُذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (( لقد حجَّرت واسعًا يا أخا العرب))، و أمر النبي - عليه الصلاة والسلام- أن يُصَبَّ على البول ذَنُوبٌ من ماء، مثل الدلو، لتطهر الأرض. 3- وأما طهارة البدن: فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية: لا يستبريء من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) ، والعياذ بالله. فدل هذا: على أنه لابد من التنزه من البول. وهكذا بقية النجاسات،
ولكن لو فُرض أن الإنسان في البر وتنجس ثوبه وليس معه ما يغسله به، فهل يتيمم من أجل صلاته في هذا الثوب؟ لا يتيمم، وكذلك لو أصاب بدنه نجاسةُ رجلهِ أو يده أو ساقه أو ذراعه وهو في البر وليس عنده ما يغسله، فإنه لا يتيمم، لأن التيمم إنما هو في طهارة الحدث فقط، أما النجاسة فلا يتيمم لها؛ لأن النجاسة عين قذرة تطهيرها بإزالتها إن أمكن فذاك، وإن لم يمكن تبقى حتى يمكن إزالتها. والله اعلم.
| |
|