إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: زاد الداعية إلى الله { الزاد الثالث : الحكمة ، فيدعو إلى الله بالحكمة } لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين الإثنين يناير 19, 2015 8:12 pm | |
|
زاد الداعية إلى الله
{ الزاد الثالث : الحكمة ، فيدعو إلى الله بالحكمة }
لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين
تصحيح لُغَوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا
* الزاد الثالث : الحكمة ، فيدعو إلى الله بالحكمة ، وما أمرَّ الحكمة على غير ذي الحكمة.
والدعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة ، ثم بالموعظة الحسنة ، ثم الجدال بالتي هي أحسن لغير الظالم ، ثم الجدال بما ليس أحسن للظالم ،
فالمراتب إذًا أربع .
قال الله تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }. (النحل: 125).
وقال تعالى : {وَلاَ تُجَـادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـبِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـهُنَا وَإِلَـهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }. (العنكبوت: 46).
* إن الحكمة : إتقان الأمور وإحكامها ، بأن تنزل الأمور منازلها وتوضع في مواضعها ،
ليس من الحكمة أن تتعجل وتريد من الناس أن ينقلبوا عن حالهم التي هم عليها إلى الحال التي كان عليها الصحابة بين عشية وضحاها ،
ومن أراد ذلك فهو سفيه في عقله بعيد عن الحكمة ؛ لأن حكمة الله عز وجل تأبى أن يكون هذا الأمر ،
ويدلك لهذا أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وهو الذي ينزل عليه الكتاب ، نزل عليه الشرع متدرجًا حتى استقر في النفوس وكمل .
فرضت الصلاة في المعراج قبل الهجرة بثلاث سنوات ، وقيل: سنة ونصف ، وقيل: خمس سنين ، على خلاف بين العلماء في هذا .. ومع هذا لم تفرض على وضعها الآن ،
أول ما فرضت كانت ركعتين للظهر والعصر والعشاء والفجر ، وكانت المغرب ثلاثًا ، لأجل أن تكون وترًا للنهار ،
وبعد الهجرة وبعد أن أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، ثلاث عشرة سنة في مكة زيدت صلاة الحضر فصارت أربعًا في الظهر والعصر والعشاء ، وبقيت صلاة الفجر على ما هي عليه ؛ لأنها تطول فيها القراءة ، وبقيت المغرب ثلاثًا ؛ لأنها وتر النهار .
والزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة أو فرضت في مكة ، لكنها لم تقدر تقديرًا في أنصبائها وواجبها ولم يبعث النبي صلى الله عليه وسلَّم السعاة لأخذ الزكاة إلا في السنة التاسعة من الهجرة ، فكان تطور الزكاة على ثلاث مراحل : في مكة {وآتوا حقه يوم حصاده} ، ولم يبين الواجب ، ولا مقدار ما يجب فيه ذلك الواجب ، وجعل الأمر موكولاً إلى الناس ،
وفي السنة الثانية من الهجرة بينت الزكاة بأنصبائها .
وفي السنة التاسعة من الهجرة صار النبي صلى الله عليه وسلَّم ، يبعث السعاة إلى أهل المواشي والثمار لأخذها .
فتأمل مراعاة أحوال الناس في تشريع الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين .
وكذلك في الصيام تطور في تشريعه فكان أول ما فرض يخير الإنسان بين أن يصوم أو يطعم ، ثم تعين الصيام ، وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر .
* أقول: إن الحكمة تأبى أن يتغير العالم بين عشية وضحاها ، فلابد من طول النفس ، واقْبَل من أخيك الذي تدعوه ما عنده اليوم من الحق ، وتدرج معه شيئًا فشيئًا حتى تنتشله من الباطل ،
ولا يكن الناس عندك على حد سواء ، فهناك فرق بين الجاهل والمعاند .
* ولعل من المناسب أن أضرب أمثلة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلَّم :
* المثال الأول : دخل رجل أعرابي والنبي صلى الله عليه وسلَّم جالس في أصحابه في المسجد ، فبال الأعرابي في طائفة من المسجد فزجره الناس ـ والزجر هو النهر بشدة ـ ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلَّم ــ وهو الذي أعطاه الله تعالى من الحكمة ــ نهاهم ، فلما قضى بوله أمر صلى الله عليه وسلَّم أن يراق على بوله ذنوبًا من ماء ـ يعني: دلوًا ـ فزالت المفسدة ، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلَّم الأعرابي فقال له : «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن» أو كما قال صلى الله عليه وسلَّم ، أخرجه البخاري ، ومسلم .
فانشرح صدر الأعرابي لهذه المعاملة الحسنة ،
ولهذا رأيت بعض أهل العلم نقل أن هذا الأعرابي قال : «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا» ؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلَّم عامله هذه المعاملة الطيبة ، أما الصحابة رضوان الله عليهم فسعوا في إزالة المنكر من غير تقدير لحال هذا الرجل الجاهل .
* المثال الثاني : معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلَّم يصلي بالناس ، فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله ـ فإذا عطس أحد في الصلاة فليقل الحمد لله سواء في القيام أو في الركوع أو في السجود ـ قال هذا الرجل : الحمد لله، فقال له معاوية : يرحمك الله ، وهذا خطاب لأدمي يبطل الصلاة فرماه الناس بأبصارهم وجعلوا ينظرون إليه فقال معاوية : واثكل أمِّياه ـ والثكل الفقد ــ وهذه كلمة تقال ولا يراد معناها ، وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلَّم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال : «ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قال قلت : بلى يا رسول الله . قال : كف عليك هذا وأخذ بلسانه وقال : كفه عليك ، فقال معاذ : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» أخرجه الإمام أحمد ، و الترمذي ، وابن ماجه .
ثم مضى معاوية رضي الله عنه في صلاته فلما أتم الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلَّم ، قال معاوية رضي الله عنه : فوالله ما رأيت معلمًا أحسن تعليمًا منه ، اللهم صلي وسلم عليه ، والله ما كهرني ، ولا نهرني وإنما قال : «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح ، والتكبير ، وقراءة القرآن» أو كما قال صلى الله عليه وسلَّم ، أخرجه مسلم .
انظر إلى الدعوة المحببة إلى النفوس يقبلها الإنسان وينشرح بها صدره .
ونأخذ من الحديث من الفوائد الفقهية : أن من تكلم في الصلاة وهو لا يدري أن الكلام يبطل الصلاة فإن صلاته صحيحة .
* المثال الثالث : جاء رجـل إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم ، فقـال : يا رسول الله هلكت . قال : «ما أهلكك ؟» قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلَّم أن يعتق رقبة ، فقال : لا أجد ، ثم أمره أن يصوم شهرين متتابعين ، قال : لا أستطيع ، ثم أمره أن يطعم ستين مسكينًا ، فقال : لا أستطيع ، فجلس الرجل ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلَّم، بتمر فقال : «خذ هذا فتصدق به» ، ولكن الرجل طمع في كرم النبي صلى الله عليه وسلَّم ، الذي هو أعظم كرم لمخلوق ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أكرم الناس ، فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله ؟ والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلَّم حتى بدت أنيابه أو نواجذه ؛ لأن هذا الرجل جاء خائفًا يقول : «هلكت» فذهب غانمًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلَّم: «أطعمه أهلك» أخرجه البخاري ، ومسلم .
فذهب الرجل مطمئنًا غانمًا فرحًا بهذا الدين الإسلامي ، وبهذا اليسر من الداعية الأول لهذا الدين الإسلامي صلوات الله وسلامه عليه .
* المثال الرابع : ولننظر كيف عامل النبي صلى الله عليه وسلَّم مرتكب الإثم : رأى النبي صلى الله عليه وسلَّم رجلاً وفي يده خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلّم بيده الكريمة وطرحه في الأرض ، وقال : «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده» . فالنبي صلى الله عليه وسلَّم لم يعامله معاملة الأولين بل نزعه من يده وطرحه في الأرض ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلَّم قيل للرجل خذ خاتمك انتفع به فقال : «والله لا آخذ خاتمًا طرحه النبي صلى الله عليه وسلَّم» ، أخرجه مسلم .
الله أكبر هذا الامتثال العظيم من الصحابة رضوان الله عليهم .
المهم أنه يجب على الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل بالحكمة ،
فليس الجاهل كالعالم ، وليس المعاند كالمستسلم ، فلكل مقام مقال ، ولكل منزلة حال .
* * *
| |
|