إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: زاد الداعية إلى الله { الزاد الثاني : أن يكون الداعية صابرًا على دعوته } لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين الثلاثاء نوفمبر 04, 2014 7:13 pm | |
|
زاد الداعية إلى الله
{ الزاد الثاني : أن يكون الداعية صابرًا على دعوته }
لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين
تصحيح لُغَوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا
* الزاد الثاني : أن يكون الداعية صابرًا على دعوته ، صابرًا على ما يدعو إليه، صابرًا على ما يعترض دعوته، صابراً على ما يعترضه هو من الأذى.
أن يكون صابرًا على الدعوة ، أي : مثابرًا عليها لا يقطعها ولا يمل،
بل يكون مستمرًا في دعوته إلى الله بقدر المستطاع ، وفي المجالات التي تكون الدعوة فيها أنفع وأولى وأبلغ ،
وليصبر على الدعوة ولا يمل، فإن الإنسان إذا طرقه الملل استحسر وترك،
ولكن إذا كان مثابرًا على دعوته فإنه ينال أجر الصابرين من وجه، وتكون له العاقبة من وجه آخر،
واستمع إلى قول الله عز وجل مخاطبًا نبيه: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَـقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }. (هود: 49).
ولابد أن يكون الإنسان صابرًا على ما يعترض دعوته من معارضات ومجادلات ؛
لأن كل إنسان يقوم داعيًا إلى الله عز وجل لابد أن يعارض: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا }. (الفرقان: 31).
فكل دعوة حقة لابد أن يقوم لها معارض، لابد أن يقوم لها ممانع، ومجادل فيها ومشكك،
ولكن يجب على الداعية أن يصبر على ما يعترض دعوته حتى لو وصفت تلك الدعوة بأنها خطأ أو أنها باطل وهو يدرك أنها مقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فليصبر على ذلك.
ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يصر على ما يقول، وما يدعو إليه، وإن تبين له الحق،
فإن الذي يصر على ما يدعو إليه وإن تبين له الحق يشبه من قال الله فيهم: {يُجَـادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ }. (الأنفال: 6).
والمجادلة في الحق بعدما تبين صفة مذمومة، وقد قال الله فيمن اتصف بها: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }. (النساء: 115).
فما يعترض دعوتك أيها الداعية إن كان حقًّا فالواجب عليك الرجوع إليه،
وإن كان باطلاً فلا يثني عزمك عن المضي قدمًا في دعوتك.
كذلك لابد أن يكون الداعية صابرًا على ما يعترضه هو من الأذى ؛
لأن الداعية لابد أن يُؤذى إما بالقول وإما بالفعل،
وهاهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول وأوذوا بالفعل ،
اقرأ قول الله عز وجل: {كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَـحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }. (الذاريات: 52).
ما رأيك فيمن يأتيه الوحي من ربه ويقال في وجهه إنك ساحر أو مجنون ؟
لاشك أنه يتأذى ،
ومع هذا فالرسل صبروا على ما أوذوا بالقول وعلى ما أوذوا بالفعل ،
انظر إلى أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام كان قومه يمرون به وهو يصنع الفلك ويسخرون به فيقول لهم: {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}. (نوح: 38، 39).
ولم يقتصر الأمر بهم على السخرية به، بل توعدوه بالقتل: {قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ ينُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُرْجُومِينَ }. (الشعراء: 116). أي من المقتولين رميًا بالحجارة،
هنا توعد بالقتل مع تهديد بأنا قد رجمنا غيرك ؛ إظهارًا لعزتهم وأنهم قد رجموا آخرين وأنت منهم،
ولكن هذا لم يثن نوحًا عليه الصلاة والسلام، عن دعوته ، بل استمر حتى فتح الله بينه وبين قومه،
وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قابله قومه بالرفض بل شهَّروا به بين الناس: {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ }. (الأنبياء: 61).
ثم توعدوه بالإحراق: {قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانصُرُواْ ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَـعِلِينَ }. (الأنبياء: 68).
فأوقدوا نارًا عظيمة ورموه بالمنجنيق لبعدهم عنها لشدة حرارتها ،
ولكن قال رب العزة والجلال: {قُلْنَا ينَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَـمًا عَلَى إِبْرَهِيمَ }. (الأنبياء: 69).
فكانت بردًا وسلامًا ونجا منها ، فكانت العاقبة لإبراهيم، {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَـهُمُ الاَْخْسَرِينَ }. (الأنبياء: 70).
وهذا موسى عليه الصلاة والسلام توعده فرعون بالقتل: {ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الاَْرْضِ الْفَسَادَ }. (غافر: 26).
فتوعده بالقتل ولكن آخر الأمر كانت العقبى لموسى عليه الصلاة والسلام {وَحَاقَ بِـَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } (غافر: 45)
وهذا عيسى عليه الصلاة والسلام، حصل له من الأذية ما حصل حتى رماه اليهود بأنه ابن بغي، وقتلوه على زعمهم وصلبوه ،
ولكن الله تعالى يقول: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}. (النساء: 157، 158). فنجي منهم،
وهذا خاتم الرسل وإمامهم وسيد بني آدم محمد صلى الله عليه وسلّم، قال الله عنه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـكِرِينَ }. (الأنفال: 30).
{وَقَالُواْ يأَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }. (الحجر: 6).
{وَيَقُولُونَ أَءِنَّا لَتَارِكُو ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }. (الصافات: 36).
وحصل من أذيتهم القولية والفعلية ما هو معلوم لدى العلماء في التاريخ ومع هذا صبر فكانت العاقبة له.
إذًا فكل داعية لابد أن يناله أذى ،
ولكن عليه أن يصبر،
ولهذا لما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلّم، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَنزِيلاً }. (الإنسان: 23).
كان من المتوقع أن يقول الله فاشكر نعمة الله على تنزيل هذا القرآن، ولكن الله قال له: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً }. (الإنسان: 24).
إشارة إلى أن كل من قام بهذا القرآن فلابد أن يناله ما يناله من الأمور التي تحتاج إلى صبر عظيم،
فعلى الداعية أن يكون صبورًا وأن يستمر حتى يفتح الله له،
وليس من الضروري أن يفتح الله له في حياته؛
بل إن المهم أن تبقى دعوته بين الناس ناصعة متبوعة،
ليس المهم الشخص ولكن المهم الدعوة ،
فإذا بقيت دعوته ولو بعد موته، فإنه حي ،
قال الله عز وجل: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَـتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَـفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. (الأنعام: 122).
ففي الحقيقة أن حياة الداعية ليس معناها أن تبقى روحه في جسمه فقط ، بل أن تبقى مقالته حية بين الناس،
وانظر إلى قصة أبي سفيان مع هرقل ، وكان قد سمع بمخرج النبي صلى الله عليه وسلّم، دعا أبا سفيان فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلّم، عن ذاته، ونسبه، وما يدعو إليه، وأصحابه ،
فلما أخبره أبو سفيان عما سأله عنه قال هرقل له : «إن كان ما تقول حقًّا فسيملك ما تحت قدمي هاتين» . أخرجه البخاري .
سبحان الله ، من يتصور أن ملكًا إمبراطوريًّا كما يقولون يقول مثل هذا القول في محمد صلى الله عليه وسلّم، وهو مع ذلك لم يحرر جزيرة العرب من رق الشيطان والهوى،
ومن يتصور أن مثل هذا الرجل يقول مثل هذا القول؟
ولهذا لما خرج أبو سفيان قال لقومه: « لقد أمِر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر » ، «أمِر» يعني عظم ،
ومنه قوله تعالى: {لقد جئت شيئًا إمرًا} أي : عظيمًا.
وقد ملك النبي صلى الله عليه وسلَّم ما تحت قدمي هرقل بدعوته لا بشخصه ؛
لأن دعوته أتت على هذه الأرض واكتسحت الأوثان والشرك وأصحابه، وملكها الخلفاء الراشدون بعد محمد صلى الله عليه وسلّم، ملكوها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلّم، وبشريعة النبي صلى الله عليه وسلّم،
إذن على الداعية أن يصبر وستكون العاقبة له إذا كان صادقًا مع الله سواء في حياته أو بعد مماته.
{إِنَّ الأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَـقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }. (الأعراف: 128).
وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }. (يوسف: 90).
* * *
| |
|