منتدى جماعة أنصار السنة ببورسعيد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى إسلامي على مذهب أهل السنة والجماعة
 
الرئيسيةصفحه1أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Flag Counter
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» مطوية (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ)
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2021 4:52 pm من طرف عزمي ابراهيم عزيز

» مطوية (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالخميس يونيو 25, 2020 9:17 am من طرف عزمي ابراهيم عزيز

» مطوية (ذَلِكَ رَبُّ العالمين)
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالثلاثاء يونيو 23, 2020 12:47 pm من طرف عزمي ابراهيم عزيز

» مطوية (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالثلاثاء يونيو 23, 2020 8:24 am من طرف عزمي ابراهيم عزيز

»  كتاب . * غاية المريد في علم التجويد * المؤلف / عطية قابل نصر .
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالأحد مايو 07, 2017 10:16 pm من طرف إبراهيم باشا

» ** كن متفائلًا **
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالسبت مايو 06, 2017 9:06 pm من طرف إبراهيم باشا

» * ما تعريف التوحيد ؟ وما أنواعه ؟ * لفضيلة الشيخ / ابن عثيمين .
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالثلاثاء مايو 02, 2017 9:47 pm من طرف إبراهيم باشا

» * ماذا تفعل المرأة إذا طهرت بعد الفجر مباشرة ، هل تمسك وتصوم هذا اليوم ؟ * لفضيلة الشيخ / ابن عثيمين .
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالأحد أبريل 23, 2017 10:28 pm من طرف إبراهيم باشا

» نحو خطوات فاعلة للداعية المسلمة .
شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالسبت أبريل 22, 2017 9:58 pm من طرف إبراهيم باشا


 

 شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين . تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
إبراهيم باشا
Admin
إبراهيم باشا


عدد المساهمات : 703
تاريخ التسجيل : 23/02/2013
الموقع : http://www.ansarsonna.com

شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Empty
مُساهمةموضوع: شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين . تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا .   شرح أحاديث رياض الصالحين .  * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .   تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا . Emptyالأحد نوفمبر 27, 2016 6:22 pm





شرح أحاديث رياض الصالحين .

* باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) .

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .


تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا .




91 ـ الخامس: عن أنس رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا يوم أحد فقال: (من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا. قال: (فمن يأخذه بحقه؟) فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين.

رواه مسلم.

اسم أبي دجانة: سماك بن خرشة.

قوله: (أحجم القوم) أي توقفوا. و

(فلق به) : أي شق،

(هام المشركين) : أي رؤوسهم.

الشرح:

في هذا الحديث يقول أنس: إن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد؛ وغزوة أحد إحدى الغزوات الكبار التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وأُحُد جبل قرب المدينة،

وكان سبب الغزوة: أن قريشًا لما أصيبوا يوم بدر بقتل زعمائهم وكبرائهم؛ أرادوا أن يأخذوا بالثار من النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا إلى المدينة يريدون غزو الرسول صلى الله عليه وسلم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين علم بقدومهم، فأشار عليه بعضهم بالبقاء في المدينة، وأنهم إذا دخلوا المدينة أمكن أن يرموهم بالنبل وهم متحصنون في البيوت،

وأشار بعضهم؛ ولا سيما الشباب منهم والذين لم يحضروا غزوة بدر؛ أشار أن يخرج إليهم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ولبس لامته، يعني لامة الحرب، ثم خرج، وأمر بالخروج إليهم في أحد.
فالتقوا في أحد، وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صفًّا مرتبًا من أحسن ما يكون، وجعل الرماة الذين يحسنون الرمي بالنبل ـ وهم خمسون رجلًا ـ على الجبل، وأمر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم، وابقوا في مكانكم، سواء كانت لنا أو علينا.
فلما التقى الصفان، انهزم المشركون وولوا الأدبار، وصار المسلمون يجمعون الغنائم، فقال الرماة الذين في الجبل: انزلوا نأخذ الغنائم، ونجمعها.

فذكَّرهم أميرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يبقوا في مكانهم، سواء كانت للمسلمين أو عليهم،

ولكنهم ـ رضي الله عنهم ـ ظنوا أن الأمر قد انتهى؛ لأنهم رأوا المشركين ولوا ولم يبقى إلا نفر قليل، فلما رأى فرسان قريش أن الجبل قد خلا من الرماة؛ كروا على المسلمين من خلفهم، ثم اختلطوا بالمسلمين، فصار ما كان بقدر العزيز الحكيم جل وعلا، واستشهد من المسلمين سبعون رجلًا، ومنهم حمزة بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله وأسد رسوله.

فلما أصيب المسلمين بهذه المصيبة العظيمة؛ قالوا: أنَّى هذا، كيف نهزم ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جند الله، وأولئك معهم الشياطين: وهم جنود الشياطين، فقال الله عز وجل لهم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران: من الآية165) ،

أنتم السبب، لأنكم عصيتم، كما قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) (آل عمران: من الآية152)

يعني حصل ما تكرهون. فحصل ما حصل؛ لحكم عظيمة؛ ذكرها الله عز وجل في سورة آل عمران، وتكلم عليها الحافظ ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلامًا جيدًا لم أر مثله في كتاب (زاد المعاد) ؛ في بيان الحكم العظيمة من هذه العزوة.

المهم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أخذ سيفًا، فقال لأصحابه: (من يأخذ مني هذا السيف؟) كلهم قال: نأخذه، رفعوا أيديهم وبسطوها، يقولون: أنا أنا، فقال: (فمن يأخذه بحقه؟) ، فأحجم القوم؛ لأنهم يعلمون ما حقه، يخشون أن حقه يكون كبيرًا جدًّا لا يستطيعون القيام به، ويخشون أيضًا أن يعجزوا عن القيام به، فيكونون قد أخذوا هذا السيف على العهد من رسول الله ثم لا يوفون به، ولكن الله وفق أبا دجانة ـ رضي الله عنه ـ فقال: أنا آخذه بحقه، فأخذه بحقه؛ وهو أن يضرب به حتى ينكسر، أخذه بحقه ـ رضي الله عنه ـ وقاتل به؛ وفلق به هام المشركين رضي الله عنه.

في هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يبادر بالخير، وألا يتأخر، وأن يستعين بالله عز وجل، وهو إذا استعان بالله وأحسن به الظن أعانه الله.



كثير من الناس ربما يستكثر العبادة، أو يرى أنها عظيمة، يستعظمها، فينكص على عقبيه،

ولكن يقال للإنسان: استعن بالله، توكل على الله، وإذا استعنت بالله، وتوكلت عليه، ودخلت فيما يرضيه عز وجل؛ فأبشر بالخير وأن الله ـ تعالى ـ سيعينك؛ كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: من الآية3) .



وفي هذا دليل ـ أيضًا ـ على حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه لم يخص بالسيف أحد من الناس، ولكنه جعل الأمر لعموم الناس، وهكذا ينبغي للإنسان الذي استرعاه الله رعية، ألا يحابي أحدًا، وألا يتصرف تصرفًا يظن أنه محاب فيه، لأنه إذا حابى أحدًا، أو تصرف تصرفًا يظن أنه حابى فيه، حصل من القوم فرقة، وهذا يؤثر على الجماعة.

أما لو امتاز أحد من الناس بميزة لا توجد في غيره، ثم خصه الإنسان بشيء، ولكنه يبين للجماعة أنه خصه لهذه الميزة؛ التي لا توجد فيهم؛ فهذا لا بأس به. والله الموفق.

* * *

92 ـ السادس: عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ فشكونا إليه ما نلقى من الحَجَّاجِ. فقال: (اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)

سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.

رواه البخاري.

الشرح:

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن الزبير بن عدي؛ أنهم أتوا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه؛ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد عُمِّر، وبقى إلى حوالي تسعين سنة من الهجرة النبوية، وكان قد أدرك وقته شيءٌ من الفتن، فجاءوا يشكون إليه ما يجدون من الحجاج بن يوسف الثقفي؛ أحد الأمراء لخلفاء بني أمية، وكان معروفًا بالظلم وسفك الدماء، وكان جبارًا عنيدًا والعياذ بالله.

وهو الذي حاصر مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وجعل يرمي الكعبة بالمنجنيق؛ حتى هدمها أو هدم شيئًا منها، وكان قد آذى الناس، فجاءوا يشكون إلى أنس بن مالك رضي الله عنه، فقال لهم أنس رضي الله عنه: اصبروا ، أمرهم بالصبر على جور ولاة الأمور، وذلك لأن ولاة الأمور قد يسلطون على الناس؛ بسبب ظلم الناس، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام: 129) .



فإذا رأيت ولاة الأمور قد ظلموا الناس في أموالهم، أو في أبدانهم، أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الله عز وجل، أو ما أشبه ذلك؛ ففكر في حال الناس؛ تجد أن البلاء أساسه من الناس، هم الذين انحرفوا؛ فسلط الله عليهم من سُلِّط من ولاة الأمور،

وفي الأثر ـ وليس بحديث ـ كما تكونون يولى عليكم.

ويذكر أن بعض خلفاء بني أمية ـ وأظنه عبد الملك بن مروان ـ جمع وجهاء الناس؛ لما سمع أن الناس يتكلمون في الولاية، جمع الوجهاء وقال لهم: أيها الناس، أتريدون أن نكون لكم كما كان أبو بكر وعمر؟
قالوا: بلى نريد ذلك، قال: كونوا كالرجال الذين تولى عليهم أبو بكر وعمر؛ لنكون لكم كأبي بكر وعمر، يعني أن الناس على دين ملوكهم، فإذا ظلم ولاة الأمور الناس؛ فإنه غالبًا يكون بسبب أعمال الناس.



وجاء رجل من الخوارج إلى على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وقال: ما بال الناس انتقضوا عليك ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر، قال: لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك؛ يعني أن الناس إذا ظلموا سلطت عليهم الولاة.



ولهذا قال أنس: اصبروا، هذا هو الواجب، الواجب أن يصبر الإنسان، ولكل كربة فرجة، لا تظن أن الأمور تأتي بكل سهولة، الشر ربما يأتي بغتة ويأتي هجمة، ولكنه لن يدال على الخير أبدًا، ولكن علينا أن نصبر، وأن نعالج الأمور بحكمة، لا نستسلم ولا نتهور، نعالج الأمور بحكمة وصبر وتأن : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200) ،

إن كنت تريد الفلاح فهذه أسبابه وهذه طرقه؛ أربعة أشياء: (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

ثم قال أنس بن مالك: فإنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.

يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه) . شر منه في الدين، وهذا الشر ليس شرًّا مطلقًا عامًّا، بل قد يكون شرًّا في بعض المواضع، ويكون خيرًا في مواضع أخرى وهكذا.

ومع هذا؛ فإن الناس كما ازادوا في الرفاهية، وكلما انفتحوا على الناس؛ انفتحت عليهم الشرور، فالرفاهية هي التي تدمر الإنسان؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الرفاهية وتنعيم جسده؛ غفل عن تنعيم قلبه، وصار أكبر همه أن ينعم هذا الجسد الذي مآله إلى الديدان والنتن، وهذا هو البلاء،

وهذا هو الذي ضر الناس اليوم، لا تكاد تجد أحدًا إلا ويقول: ما قصْرنا؟ ما سيارتنا؟ ما فرشنا؟ ما أكلنا؟ حتى الذين يقرءون العلم ويدرسون العلم، بعضهم إنما يدرس لينال رتبة أو مرتبة يتوصل بها إلى نعيم الدنيا، وكأن الإنسان لم يخلق لأمر عظيم، والدنيا ونعيمها إنما هي وسيلة فقط.

نسأل الله أن نستعمله وإياكم وسيلة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ما معناه: ينبغي على الإنسان أن يستعمل المال كما يستعمل الحمار للركوب، وكما يستعمل بيت الخلاء للغائط.

فهؤلاء هم الذين يعرفون المال ويعرفون قدره، لا تجعل المال أكبر همك، اركب المال، فإن لم تركب المال ركبك المال، وصار همك هو الدنيا.



ولهذا نقول: إن الناس كلما انفتحت عليهم الدنيا، وصاروا ينظرون إليها، فإنهم يخسرون من الآخرة بقدر ما ربحوا من الدنيا،

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم) يعني: ما أخاف عليكم الفقر، فالدنيا ستفتح. (ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوا كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتكم) ،

وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا الذي أهلك الناس اليوم، الذي أهلك الناس اليوم التنافس في الدنيا، وكونهم كأنهم إنما خلقوا لها لا أنها خلقت لهم، فاشتغلوا بما خلق لهم عما خلقوا له، وهذا من الانتكاس نسأل الله العافية.

وفي هذا الحديث وجوب الصبر على ولاة الأمور وإن ظلموا وجاروا، لأنك سوف تقف معهم موقفًا تكون أنت وإياهم على حد سواء؛ عند ملك الملوك، سوف تكون خصمهم يوم القيامة إذا ظلموك، لا تظن أن ما يكون في الدنيا من الظلم سيذهب هباءً أبدًا، حق المخلوق لابد أن يؤخذ يوم القيامة؛ فأنت سوف تقف معهم بين يدي الله ـ عز وجل ـ ليقضي بينكم بالعدل، فاصبر وانتظر الفرج، فيحصل لك بذلك اطمئنان النفس والثبات، وانتظار الفرج عبادة، تتعبد لله به، وإذا انتظرت الفرج من الله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) .

وفي هذا التحذير من سوء الزمان، وأن الزمان يتغير، ويتغير إلى ما هو أشر.

وقد قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذات يوم لأصحابه: (من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا)

وأظن أننا ـ وعيشنا في الدنيا قليل بالنسبة لمن سبق ـ نرى اختلافًا كثيرًا. رأينا اختلافًا كثيرًا بين سنين مضت وسنين الوقت الحاضر.

حدثني مَن أثق به؛ أن هذا المسجد ـ مسجد الجامع ـ كان لا يؤذن لصلاة الفجر إلا وقد تم الصف الأول، يأتي الناس إلى المسجد يتهجدون، أين المتهجدون اليوم إلا ما شاء الله؟ . قليل. تغيرت الأحوال، كنت تجد الواحد منهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كالطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا) إذا أصبح يقول: اللهم ارزقني،

قلبه معلق بالله ـ عز وجل ـ فيرزقه الله،

وأما الآن، فأكثر الناس في غفلة عن هذا الشيء، يعتمدون على مَن سوى الله، ومن تعلق شيئًا وُكِّل إليه.

نعم في الآونة الأخيرة ـ والحمد لله ـ لا شك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتح على الشباب فتحًا؛ أسأل الله تعالى أن يزيدهم من فضله، فتح عليهم وأقبلوا إلى الله، فتجد بين سنواتنا هذه الأخيرة، والسنوات الماضية بالنسبة للشباب فرقًا عظيمًا، قبل نحو عشرين سنة؛ كنت لا تكاد تجد الشباب بالمسجد، أما الآن ـ ولله الحمد ـ فأكثر مَن في المسجد هم الشباب، وهذه نعمة ولله الحمد، يرجو الإنسان لها مستقبلًا زاهرًا، وثقوا أن الشعب إذا صلح فسوف تضطر ولاة أموره إلى الصلاح مهما كان فنحن نرجو لإخواننا في غير هذه البلاد ـ الذين مَن الله ـ عليهم بالصلاح واستقاموا على الحق ـ أن يصلح لهم الولاة، ونقول: اصبروا فإن ولاتكم سيصلحون رغمًا عنهم، فإذا صلحت الشعوب؛ صلحت الولاة بالاضطرار.
نسأل الله أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وشعوبهم؛ إنه جواد كريم.

* * *



93 ـ السابع: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال سبعًا هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) .

رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

الشرح:

سبق لنا أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذكر في أحاديث متعددة؛ ما يدل على أنه من الحزم أن يبادر الإنسان بالأعمال الصالحة، وفي هذا الحديث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أشياء متعددة، ينبغي للإنسان أن يبادر بالأعمال حذرًا منها.

فقال: (بادروا بالأعمال سبعًا) : يعني سبعة أشياء كلها محيطة بالإنسان؛ يخشى أن تصيبه، منها الفقر.

قال: (هل تنظرون إلا فقرًا منسيًا أو غنى مطغيًا) .

الإنسان بين حالتين بالنسبة للرزق: تارة يغنيه الله ـ عز وجل ـ ويمده بالمال، والبنين، والأهل، والقصور، والمراكب، والجاه، وغير ذلك من أمور الغنى، فإذا رأى نفسه في هذه الحال؛ فإنه يطغى والعياذ بالله، ويزيد ويتكبر، ويستنكف عن عبادة الله، كما قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (العلق: 6-8) ،

يعني: مها بلغت من الاستغناء والعلو؛ فإن مرجعك إلى الله.

ونحن نشاهد أن الغنى يكون سببًا للفساد والعياذ بالله،

تجد الإنسان في حال فقره مخبتًا إلى الله، منيبًا إليه، منكسر النفس، ليس عنده طغيان، فإذا أمده الله بالمال؛ استكبر ـ والعياذ بالله ـ وأطغاه غناه.

أو بالعكس: (فقرًا منسيًا) الفقر: قلة ذات اليد، بحيث لا يكون مع الإنسان مال، فالفقر ينسي الإنسان مصالح كثيرة؛ لأنه يشتغل بطلب الرزق عن أشياء كثيرة تهمه، وهذا شيء مشاهد؛

ولهذا يخشى على الإنسان من هذين الحالين؛ إما الغنى المطغي؛ أو الفقر المنسي.

فإذا مَنَّ الله على العبد بغنى لا يطغي، وبفقر لا ينسي، وكانت حاله وسطًا، وعبادته مستقيمة، وأحواله قويمة، فهذه هي سعادة الدنيا.

وليست سعادة الدنيا بكثرة المال؛ لأنه قد يطغي؛ ولهذا تأمل قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97) ، لم يقل: من عمل عملًا صالحًا من ذكر أو أنثى فلنوسعن عليه المال ولنعطينه المال الكثير، قال: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ؛ إما بكثرة المال أو بقلة المال،

ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله في الحديث القدسي: (إن من عبادي مَن لو أغنيته لأفسده الغنى، وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر) .

وهذا هو الواقع، من الناس من يكون الفقر خيرًا له، ومن الناس من يكون الغنى خيرًا له، ولكن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حذر من غنى مطغٍ وفقر منسٍ.



الثالث: قال: (أو مرضًا مفسدًا) ، المرض يفسد على الإنسان أحواله، فالإنسان ما دام في صحة؛ تجد منشرح الصدر، واسع البال، مستأنسًا، لكنه إذا أصيب بالمرض انتكب، وضاقت عليه الأرض، وصار همه نفسه، فتجده بمرضه تفسد عليه أمور كثيرة، لا يستأنس مع الناس، ولا ينبسط إلى أهله؛ لأنه مريض ومتعب في نفسه. فالمرض يفسد على الإنسان أحواله، والإنسان ليس دائمًا يكون في صحة، فالمرض ينتظره كل لحظة.

كم من إنسان أصبح نشيطًا صحيحًا وأمسى ضعيفًا مريضًا، بالعكس؛ أمسى صحيحًا نشيطًا، وأصبح مريضًا ضعيفًا.

فالإنسان يجب عليه أن يبادر إلى الأعمال الصالحة؛ حذرًا من الأمور.

الرابع: (أو هرمًا منفدًا) ، الهرم: يعني الكبر، فالإنسان إذا كبر وطالت به الحياة، فإنه ـ كما قال الله عز وجل : (يرد إلى أرذل العمر) ، أي إلى أسوئه وآرائه، فتجد هذا الرجل الذي عهدته من أعقل الرجال، يرجع حتى يكون مثل الصبيان، بل هو أردأ من الصبيان؛ لأن الصبي لم يكن قد عقل، فلا يدري عن شيء، لكن هذا قد عقل وفهم الأشياء، ثم رد إلى أرذل العمر، فيكون هذا أشد عليه؛

ولذلك نجد أن الذين يردون إلى أرذل العمر ـ من كبار السن ـ يؤذون أهليهم أشد من إيذاء الصبيان؛ لأنهم كانوا قد عقلوا، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.

نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الرد إلى أرذل العمر؛ لأن الإنسان إذا رد إلى أرذل العمر؛ تعب وأتعب غيره، حتى إن أخص الناس به يتمنى أن يموت؛ لأنه آذاه وأتعبه، وإذا لم يتمن بلسان المقال؛ فربما يتمنى بلسان الحال.



أما الخامس: (فالموت المجهز) : يعني أن يموت الإنسان، والموت لا ينذر الإنسان قد يموت الإنسان بدون إنذار، قد يموت على فراشه نائمًا، وقد يموت على كرسيه عاملًا، وقد يموت في طريقه ماشيًا،

وإذا مات الإنسان انقطع عمله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو لد صالح يدعو له) ،

فبادر بالعمل قبل الموت المجهز، الذي يجهزك ولا يمهلك.

السادس: (أو الدجال فشر غائب ينتظر) ، الدجال: صيغة مبالغة من الدجل؛ وهو الكذب والتمويه، وهو رجل يبعثه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في آخر الزمان، يصل إلى دعوى الربوبية، يدعي أنه رب، فيمكث في فتنته هذه أربعين يومًا؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع؛ يعني كجمعة. وسائر أيامه كالأيام المعتادة، لكن يعطيه الله ـ عز وجل ـ من القدرات ما لم يعط غيره، حتى إنه يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، ويأمر الأرض فتجدب، والسماء فتقحط: تمنع المطر، ومعه جنة ونار، لكنها مموهة؛ جنته نار، وناره جنة.

هذا الرجل أعور العين، كأن عينه عنبة طافية، مكتوب بين عينيه (كافر) كاف. فاء. راء. يقرؤه كل مؤمن؛ الكاتب وغير الكاتب، ولا يقرؤه المنافق ولا الكافر ـ ولو كان قارئًا كاتبًا ـ وهذا من آيات الله.
هذا الرجل يرسل الله عليه عيسى ابن مريم عليه الصلاة السلام، فينزل من السماء فيقتله ، كما جاء في بعض الأحاديث بباب لدٍّ في فلسطين حتى يقضي عليه.

فالحاصل أن الدجال شر غائب ينتظر؛ لأن فتنته عظيمة؛ ولهذا نحن في صلاتنا ـ في كل صلاة ـ نقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. خصَّها، لأنها أعظم فتنة تكون في حياة الإنسان.

السابع: (أو الساعة) يعني قيام الساعة الذي فيه الموت العام،

والساعة أدهى وأمر كما قال الله عز وجل: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (القمر: 46) .

فهذه سبع حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام، وأمرنا أن نبادر بالأعمال هذه السبع،

فبادر يا أخي المسلم بأعمالك الصالحة قبل أن يفوتك الأوان، فأنت الآن في نشاط، وفي قوة، وفي قدرة، لكن قد يأتي عليك زمان لا تستطيع ولا تقدر على العمل الصالح، فبادر وعود نفسك، وأنت إذا عودت نفسك العمل الصالح اعتادته، وسهل علينا وانقادت له، وإذا عودت نفسك الكسل والإهمال؛ عجزت عن القيام بالعمل الصالح،

نسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
* * *

94 ـ الثامن: عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية رجلًا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه) ، قال عمر رضي الله عنه: ما أحببت الإمارة إلا يؤمئذ، فتساورت لها رجاء أن أدعى لها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه، فأعطاه إياها، وقال: (امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك) ، فسار علىٌّ شيئاً، ثم وقف ولم يلتفت؛ فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ قال: (قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) رواه مسلم.

(فتساورت) هو بالسين المهملة: أي وثبت متطلعًا.

الشرح:

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية رجلًا يحب الله ورسوله) ، وفي لفظ: (ويحبه الله ورسوله) ،

يوم خيبر: يعني يوم غزوة خيبر، وخيبر حصون ومزارع كانت لليهود؛ تبعد عن المدينة نحو مائة ميل نحو الشمال الغربي، فتحها النبي عليه الصلاة والسلام كما هو معروف في السير، وكان الذين يعملون فيها اليهود، فصالحهم النبي عليه الصلاة والسلام على أن يبقوا فيها مزارعين بالنصف؛ لهم نصف الثمرة، وللمسلمين نصف الثمرة، وبقوا على ذلك حتى أجلاهم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في خلافته، أجلاهم إلى الشام وإلى أذرعات.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لأعطينه الراية رجلًا يحب الله ورسوله)

الراية: هي ما يسمى عندنا العلم، يحمله القائد من أجل أن يهتدي به الجيش وراءه، فقال: (لأعطينه الراية رجلًا يحب الله ورسوله) وقوله: (رجلًا) نكرة لا يعلم مَن هو، قال عمر بن الخطاب: فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، رجاء أن يصيبه ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، فتسورت لها وبات الناس تلك الليلة يخوضون ويدوكون، كل منهم يرجو أن يعطاها، فلما أصبحوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ ابن عمه قالوا: يا رسول الله، إنه يشتكي عينيه، يعني عنده وجع في عينيه، فدعا به، فجاء، فبصق في عينيه؛ فبرأ كأن لم يكن به وجع في الحال، والله على كل شيء قدير، ثم أعطاه الراية، وقال له: (امش ولا تلتفت حتى يفتح الله) .
ففعل ـ رضي الله عنه ـ

فلما مشى قليلًا وقف، ولكنه لم يلتفت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لا تلتفت، فصرخ بأعلى صوته: يا رسول الله، على ماذا أقاتلهم؟ بدون التفات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تلتفت؛ قال: (قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) ؛

هذه الكلمة كلمة عظيمة، ولو وزنت بها السماوات والأرض لرجعت بالسماوات والأرض، هذه الكلمة يدخل بها الإنسان من الكفر الإسلام، فهي باب الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، (فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) ، يعني إذا قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإنهم لا يقاتلون، منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، أي بحق لا إله إلا الله؛ أي بالحقوق التابعة لها؛ لأن لا إله إلا الله ليست مجرد لفظ يقوله الإنسان بلسانه، بل لها شروط ولها أمور لابد أن تتم،



ولهذا قيل لبعض السلف: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله) ؟ فقال نعم، مفتاح الجنة لا إله إلا الله، لكن لابد من عمل؛ لأن المفتاح يحتاج إلى أسنان، وقد صدق رحمه الله: المفتاح يحتاج إلى أسنان، لو جئت بمفتاح بدون أسنان ما فتح لك.

إذن: قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إلا بحقها) يشمل كل شيء يكفر به الإنسان مع قول لا إله إلا الله، فإن من كفر وإن كان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولكنه أتى بمكفر؛ فإن هذه الكلمة لا تنفعه.

ولهذا كان المنافقون يذكرون الله، يقولون: لا إله إلا الله، وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، هيئتهم وشكلهم كأنهم أكمل المؤمنين إيمانًا، ويأتون للرسول صلى الله عليه وسلم يقولون له: نشهد إنك لرسول الله، الكلام مؤكد بثلاث مؤكدات (نشهد) و (إن) و (اللام) في (نَشْهَدُ إِنَّك لَرَسُولُ َاللَّهُ) ، فقال رب العزة والجلال الذي يعلم ما في الصدور: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: 1) ، أعطاهم شهادة بشهادة، يشهد إن المنافقون لكاذبون، وأكد الله ـ عز وجل ـ كذب هؤلاء في قولهم: نشهد إنك لرسول الله، بثلاثة مؤكدات،

فليس كل من قال لا إله إلا الله؛ يعصم دمه وماله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى فقال: (إلا بحقها) .



ولما منع الزكاة مَن منعها من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واستعد أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ لقتالهم، تكلم معه من تكلم من الصحابة، وقالوا: كيف تقاتلهم وهم يقولون: لا إله إلا الله؟ قال رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، الزكاة حق المال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا بحقها) فقاتلهم ـ رضي الله عنه ـ على ذلك، وانتصر ولله الحمد.

فالحاصل: أنه ليس كل من قال لا إله إلا الله، فإنه يمنع دمه وماله، ولكن لابد من حق، ولذلك قال العلماء رحمهم الله: لو أن قرية من القرى تركوا الأذان والإقامة؛ فإنهم لا يكفرون، ولكن يقاتلون، وتستباح دمائهم حتى يؤذنوا ويقيموا، مع أن الأذان والإقامة ليسا من أركان الإسلام، لكنها من حقوق الإسلام،



قالوا: ولو تركوا صلاة العيد مثلًا، مع أن صلاة العيد ليست من الفرائض الخمس، لو تركوا صلاة العيد وجب قتالهم، يقاتلون بالسيف والرصاص حتى يصلوا العيد، مع أن صلاة العيد فرض كفاية، أو سنة عند بعض العلماء، أو فرض عين على القول الراجح، لكن الكلام على أن القتال قد يجوز مع إسلام المقاتلين؛ ليذعنوا لشعائر الإسلام الظاهرة؛ ولهذا قال هنا: (إلا بحقها) .



وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز للإنسان أن يقول: لأفعلن كذا في المستقبل، وإن لم يقل: إن شاء الله. ولكن يجب أن نعلم الفرق بين شخص يخبر عما في نفسه، وشخص يخبر أنه سيفعل، يعني يريد الفعل.

أما الأول فلا بأس أن يقول سأفعل بدون إن شاء الله؛ لأنه إنما يخبر عما في نفسه،

وأما الثاني: الذي يريد أنه يفعل؛ أي يوقع الفعل فعلًا.
فهذا لا يقل إلا مقيدًا بالمشيئة، قال تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) (الكهف: 23-24) ، فهناك فرق بين مَن يخبر عما في نفسه، وبين مَن يقول إنني سأفعل غدًا.

غدًا ليس إليك، ربما تموت قبل غد، وربما تبقى، ولكن يكون هناك موانع وصوارف، وربما تبقى ويصرف الله همتك عنه، كما يقع كثيرًا،

كثيراً ما يريد الإنسان أن يفعل فعلًا غدًا أو آخر النهار، ثم يصرف الله همته.

ولهذا قيل لبعض الأعراب ـ والأعراب سبحان الله عندهم أحيانًا جواب فطري ـ قيل له: بم عرفت ربك؟ فأجاب قائلًا: الأثر يدل على المسير، والبعير تدل على البعير. فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟ ـ الله أكبر ـ أعرابي لا يعرف؛ لكنه استدل بعقله، فهذه الأمور العظيمة ألا تدل على خالق يخلقها ويدبرها؟ بلى والله.

وسئل آخر: بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الههم؛

فكيف هذا؟

يعزم الإنسان على شيء ثم تنتقض عزيمته بدون أي سبب ظاهر، إذن: من الذي نقضها؟

الذي نقض العزيمة هو الذي أودعها أولًا، وهو الله عز وجل، وصرف الههم؛ حيث يهم الإنسان بالشيء ـ وربما يبدأ به فعلًا ـ ثم ينصرف.



إذن نقول: إن في هذا الحديث دليل على أن الإنسان له أن يقول سأفعل كذا؛ إخبارًا عما في نفسه، لا جزمًا بأن يفعل، لأن المستقبل له الله،

لكن إذا أخبرت عما في نفسك فلا حرج. والله الموفق.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.ansarsonna.com
 
شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 3 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين . تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ أ/ إبراهيم باشا .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المبادرة إلى الخيرات ، وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد * ( جزء 2 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
» شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المبادرة إلى الخيرات * ( جزء 1 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
» شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المجاهدة * ( جزء 1 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
» شرح أحاديث رياض الصالحين . * باب المجاهدة * ( جزء 2 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
»  شرح أحاديث رياض الصالحين . باب المراقَبة ( جزء 2 ) . شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى جماعة أنصار السنة ببورسعيد :: العلوم الشرعية :: منتدى الأحاديث النبوية-
انتقل الى: