إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 4 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين الإثنين ديسمبر 29, 2014 8:02 pm | |
|
شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 4 )
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ / إبراهيم باشا
22- وعن أبي نُجَيد- بضم النون وفتح الجيم- عمران بن الحصين الخزاعي- رضي الله عنهما - أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله، أصبت حدًا فأقمه عليَّ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال: ((أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني)) ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشُكَّت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرُجمت، ثم صلى عليها. فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟!)) أخرجه مسلم.
الشرح
قال المؤلف- رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: إنَّ امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ((وهي حبلى من الزنا)) يعني حاملاً قد زنت، رضي الله عنها.
((فقالت: يا رسول الله إني قد أصبت حدًا فأقمه عليَّ)) أي: أصبت شيئًا يوجب الحد فأقمه عليَّ،
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليَّها وأمره أن يحسن إليها فإذا وضعت فليأتِ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلما وضعت أتى بها وليُّها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ((فأمر بها فَشُدَّت عليها ثيابها)) أي: لفت ثيابها وربطت ؛ لئلا تنكشف
((ثم أمر بها فرُجِمت)) أي: بالحجارة: وهي ليست كبيرة ولا صغيرة،
حتى ماتت، ثم صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعا لها دعاء الميت ،
((فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زَنَت)) أي: والزنى من كبائر الذنوب،
فقال: ((لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم))
يعني: توبة واسعة لو قُسِمت على سبعين كلهم مُذنب لوسعتهم ونفعتهم، ((وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل))
أي: هل وجدت أفضل من هذه الحال، امرأة جاءت فجادت بنفسها ؛
يعني : سلَّمَت نفسها من أجل التقرب إلى الله - عز وجل- والخُلُوص من إثم الزنى. ما هناك أفضل من هذا؟!
ففي هذا الحديث دليل على فوائد كثيرة:
منها: أن الزاني إذا زنى وهو محصن- يعني قد تزوَّج- فإنه يجب أن يرجم وجوبًا؛
وقد كان هذا في كتاب الله- عز وجل- آية قرأها المسلمون وحفظوها ووعوها ونفَّذوها،
رَجَمَ النبي صلى الله عليه وسلم ورجم الخلفاء من بعده،
ولكن الله بحكمته نسخها من القرآن لفظًا وأبقى حُكمها في هذه الأمة.
فإذا زنى المحصن- وهو الذي قد تزوج - فإنه يُرجم حتى يموت. يُوقف في مكان واسع، ويجتمع الناس، ويأخذون من الحصى يرمونه به حتى يموت.
وهذه من حكمه الله عز وجل، أي: أنه لم يأمر الشرع بأن يقتل بالسيف وينتهي أمره بل يرجم بهذه الحجارة حتى يتعذب ويذوق ألم العذاب في مقابل ما وَجَدَه من لذة الحرام؛
لأن هذا الزاني تلذذ جميع جسده بالحرام، فكان من الحكمة أن ينال هذا الجسد من العذاب بقدر ما نال من اللذة.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إنه لا يجوز أن يرجم بالحجارة الكبيرة؛ لأن الحجارة الكبيرة تُجْهِزُ عليه ويموت سريعًا فيستريح،
ولا بالصغيرة جدًا لأن هذه تؤذيه وتُطيلُ موته، ولكن بحصًى متوسط حتى يذوق الألم ثم يموت.
فإذا قال قائل: أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح)) أخرجه مسلم
والقتلة بالسيف أريح للمرجوم من الرجم بالحجارة؟
قلنا: بلى قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن إحسان القتلة يكون بموافقتها للشرع،
فالرجم إحسان لأنه موافق للشرع،
ولذلك لو أن رجلاً جانيًا جنى على شخص فقتله عمدًا وعزرَ به قبل أن يقتله فإننا نُعَزِّرُ بهذا الجاني إذا أردنا قتله قبل أن نقتله.
مثلاً: لو أن رجلاً جانيًا قتل شخصًا فقطَّع- مثلاً- يديه، ثم رجليه، ثم لسانه، ثم رأسه. فإننا لا نقتل الجاني بالسيف!! بل نقطع يديه، ثم رجليه، ثم لسانه، ثم نقطع رأسه مثلما فعل،
ويعتبر هذا إحساناً في القتلة؛ لأن إحسان القتلة أن يكون موافقًا للشرع على أي وجه كان.
وفي هذا الحديث دليل على جواز إقرار الإنسان على نفسه بالزنى؛ من أجل تطهيره بالحد لا من أجل فضحه نفسه.
فالإنسان الذي يتحدث عن نفسه أنه زنى، عند الإمام أو نائبه؛ من أجل إقامة الحد عليه، هذا لا يُلام ولا يُذَمُّ.
وأما الإنسان الذي يخبر عن نفسه بأنه زنى، يخبر بذلك عامة الناس؛ فهذا فاضح نفسه وهو من غير المعافين؛
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين. قالوا: مَن المجاهرون؟ قال: الذي يفعل الذنب ثم يستُرُه الله عليه ثم يصبح يتحدث به))
إذا قال قائل هل الأفضل للإنسان إذا زنى أن يذهب إلى القاضي ليقر عنده، فيقام عليه الحد، أو الأفضل أن يستُرَ نفسه؟
فالجواب عن هذا أن في ذلك تفصيلاً.
قد يكون الإنسان تاب توبة نصوحًا، وندم ، وعرف من نفسه أنه لن يعود ، فهذا الأفضل أن لا يذهب ولا يخبر عن نفسه،
بل يجعل الأمر سرًّا بينه وبين الله، ومن تاب تاب الله عليه.
وأما من خاف أن لا تكون توبته نصوحًا، وخاف أن يعود ويرجع إلى الذنب مرة أخرى؛ فهذا الأفضل في حقِّه أن يذهب إلى وليِّ الأمر، أو إلى القاضي أو غيره، ليُقِرَّ عنده فيقام عليه الحدُّ.
* * *
23- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لو أن لابن آدم ملء وادٍ مالاً؛ لأحبَّ أنَّ له إليه مثله ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب )).
أخرجه البخاري، مسلم.
24- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( يضحك الله- سبحانه وتعالى- إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتلُ، ثم يتوب الله على القاتل فيُسْلِمُ فيُسْتَشهَدُ )) أخرجه البخاري، ومسلم.
الشرح
هذان الحديثان في بيان التوبة، وأن من تاب تاب الله عليه مهما عظم ذنبه؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)﴾ [الفرقان:68-70].
فالحديث الأول عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-
ومعناه: أن ابن آدم لن يشبع من المال، ولو كان له واد واحد ((لابْتَغَى)) أي طلب أن يكون له واديان، ولا يملأ جوفه إلا التراب، وذلك إذا مات ودُفن وترك الدنيا وما فيها؛ حينئذٍ يقتنع؛ لأنها فاتنة،
ولكن مع ذلك حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على التوبة؛ لأن الغالب أن الذي يكون عنده طمع في المال، أنه لا يحترز من الأشياء المحرمة من الكسب المحرم.
ولكن دواء ذلك بالتوبة إلى الله ولهذا قال: ((ويتوب الله على من تاب)) فمن تاب من سيئاته- ولو كانت هذه السيئات مما يتعلق بالمال -فإن الله يتوب عليه.
أما الحديث الثاني فهو عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يضحك الله إلى رجلين... الحديث)).
فضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأنه كان بينهما تمام العداوة في الدنيا؛ حتى إن أحدهما قتَلَ الآخر، فقَلَبَ الله هذه العدواة التي في قلب كل واحد منهم، وأزال ما في نفوسهما من الغلِّ، لأن أهل الجنة يطهرون من الغل والحقد؛ كما قال الله-تعالى- في وصفهم ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر:47] .
فهذا وجه العجب من الله- عز وجل- لهذين الرجلين أنه كان بينهما تمام العداوة ، ثم إن الله-تعالى- مَنَّ على هذا القاتل الذي كان كافرًا فتاب، فتاب الله عليه.
ففيه دليل: على أن الكافر إذا تاب من كُفْره - ولو كان قد قتل أحدًا من المسلمين - فإن الله - تعالى- يتوب عليه ؛ لأن الإسلام يهدِمُ ما قبله. * * *
| |
|