كيفية استثمار أوقات الفراغ
نعمة الوقت من النعم العظيمة التي امتن الله بها على عباده ، حتى أقسم الله تعالى ببعض الوقت
فقال تعالى : ( وَالْعَصْرِ ) ؛ لأهمية هذا الوقت وبركته ،
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم - : ( اغتنم خمسًا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك )
رواه الحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
ولما كان أكثر الناس جاهلين بقدر هذه النعمة ، غافلين عما يجب عليهم نحوها من عمارتها بشكر الله وطاعته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري .
والمغبون : هو الخاسر في بيعه أو شرائه .
فالوقت هو من أثمن الأشياء في حياة المسلم ،
ويجب أن يتعلم استغلال الوقت فيما ينفعه في الدنيا وفي الآخرة،
فكم من سليم الجسم ممدود الوقت
يضطرب في هذه الحياة بلا أمل يحدوه، ولا عمل يشغله، ولا رسالة يخلص لها ويصرف عمره لإنجاحها. ألهذا خُلق الناس؟.
كلا، فالله عز وجل يقول:{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ }.
والإنسان في هذا العالم يجب أن يتعرف هذا الحق وأن يعيش به.
ومن أصدق ما رواه الشافعي في أسس التربية هذه الكلمة الرائعة :"إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل"،
وهذا صحيح ؛ فإن النفس لا تهدأ.
وأفضل ما تصون به حياة إنسان أن ترسم له منهاجًا يستغرق أوقاته ،
ولا تترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليه بوسوسة أو إضلال .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : " ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُكَلَّفِ مَثَلاً بِالتَّاجِرِ الَّذِي لَهُ رَأْس مَال , فَهُوَ يَبْتَغِي الرِّبْح مَعَ سَلامَة رَأْس الْمَال ،
فَطَرِيقه فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَحَرَّى فِيمَنْ يُعَامِلهُ وَيَلْزَم الصِّدْق وَالْحِذْق لِئَلا يُغْبَن ،
فَالصِّحَّة وَالْفَرَاغ رَأْس الْمَال ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَامِل اللَّه بِالإِيمَانِ ، وَمُجَاهَدَة النَّفْس وَعَدُوّ الدِّين ؛ لِيَرْبَح خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَة ،
وَقَرِيب مِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ( هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم ) الآيَات .
وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِب مُطَاوَعَة النَّفْس وَمُعَامَلَة الشَّيْطَان لِئَلا يُضَيِّع رَأْس مَاله مَعَ الرِّبْح "
فتح الباري لابن حجر
وإذا كان الوقت بهذه المنزلة ، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يكون عنده وقت للفراغ ؛ لأنه يتقلب من طاعة إلى طاعة ، فإن لم يخرج من طاعة إلى أختها ، فإنه يخرج إلى المباح .
وينبغي أن يصلح فيه نيته ، ليكون له فيه أجر .
كما قال معاذ رضي الله عنه : أما أنا فأقوم وأنام ، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي "
رواه البخاري ، ومسلم .
والمشكلة التي يعاني منها مَن لديه أوقات فراغ عدة أشياء :
أولاً :
أنه لا يعرف قيمة الوقت ، وهذا حال أكثر الناس كما سبق ،
بل الأدهى من ذلك أن هذه النعمة العظيمة ، بإهمالها ، والتفريط فيها ، صارت فراغًا مدمرًا، فاعتبره عدوًا له ، فهو " يقتله " ولم يدر أنه يقتل نفسه .
ثانيًا :
أنه يحس بالاكتئاب ، ولا شك أن إهدار الوقت ، وإضاعة الحياة تسبب اكتئابًا شديدًا لدى الإنسان ؛
لأنه يحس أنه مثل الدابة التي تأكل لتنام ، وتنام لتأكل ،
ولهذا نرى كثيرًا من أهل الكفر ينهون حياتهم بالانتحار ، بعد إصابتهم بالاكتئاب والأمراض المستعصية ،
عافانا الله مما ابتلاهم به ،
كما أن من أول وأهم أسباب الاكتئاب معصية الله عز وجل ،
فالذي يعاني من الفراغ يبحث على أشياء ترضي هواه لكي يتخلص مما يعاني منه ، فيضطر إلى إضاعة وقته بالجلوس أمام التلفاز ،
ولا شك أن إضاعة الوقت في النظر لجهاز التلفاز يؤدي بالإنسان إلى ارتكاب المعصية ، من النظر المحرم ، وسماع المحرم ، وتضييع الوقت ، وغير ذلك من المفاسد ،
والفوائد التي يجنيها الإنسان من حسنات في جلوسه في حلقة تحفيظ القرآن الكريم مثلاً تذهب كثير منها أو كلها بجلوسه أمام التلفاز ،
فكما أن الحسنات يذهبن السيئات ، فكذلك السيئات تضيع الحسنات .
ثالثًا :
أنه يستسلم كثيرًا لنفسه في مسألة الوقت ، فليس لديه من العزم ما يقويه على ملء وقته بما هو مفيد .
ولحل مشكلة الفراغ ، فإنه يجب على كل من يعاني من فراغ في وقته أن يحرص على النقاط التالية :
1ــ العبادات من الأذكار والأوراد والصلوات وتلاوة القرآن والصيام والتفكُّر في آيات الله وآلائه .
2ــ إحياء أوقات الفراغ بذكر الله ، والاجتهاد في تلاوة القرآن وحفظه وتدبر آياته ، قبل أن ينشغل بأعباء الحياة ،
فإنَّ كل حرف بحسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ،
وإنَّ كل آية هي رِفْعَة وزيادة ، هي رقي وكمال ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا )
رواه أبو داود ، وصححه الألباني في الصحيحة .
3ــ تبني قضية من قضايا المسلمين في البلد الذي تعيش فيه ، ودعم المشاريع الخيرية ونحو ذلك .
4ــ الرفقة الصالحة باجتماعاتها ، والجيرة الطيبة بزياراتها .
5ــ القراءة في الكتب الإسلامية خاصة ، والقصص المفيدة عامة .
6ــ الانخراط في مجال الدعوة إلى الله ،
وذلك بتعلم الدين الإسلامي الصحيح في مراكز الدعوة الإسلامية أولاً ، ثم تعليمه للأقارب والجيران والأصحاب ، ولعامة المسلمين ، بأسلوب بسيط وسهل .
7ــ سماع المحاضرات الدعوية ، وتلخيصها ، وتوزيع الملخَّص على من يستفيد منه .
8ــ تعلم بعض العلوم الدنيوية المفيدة ، والتي تعود بالنفع عليك وعلى المسلمين
9ــ استثمار الكمبيوتر والإنترنت في نشر الإسلام والدعوة إلى الله ،
فمن الممكن عمل كثير من الأشياء الطيبة والمفيدة عليه ،
وهذا يغني عن الجلوس أمام شاشة التلفاز التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وتضر أكثر مما تنفع .
10ــ مطالعة بعض الكتب التي تتكلم عن أهمية الوقت وكيفية تنظيمه ، وسماع بعض المحاضرات النافعة في ذلك .
أسأل الله في علاه أن يجعل أوقاتنا كلها عامرة بذكره ، وأن يميتنا وهو راضٍ عنَّا ،
إنه ولي ذلك والقادر عليه