شرح رسالة (إن الدين عند الله الإسلام) وإعراض الناس عنها
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
قال الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران:19).وقال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) الآية.(آل عمران:85).وقال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) (المائدة:3).
قيل: إنها آخر آية نزلت؛ وفسر نبي الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، لجبريل عليه السلام، وبناه أيضاً على خمسة أركان وتضمن كل ركن علماً، وعملاً، فرضاً، على كل ذكر وأنثى، لقول العلماء: لا ينبغي لأحد يقدم على شيء، حتى يعلم حكم الله فيه.
فاعلم: أن أهمها، وأولها، الشهادتان، وما تضمنتا، من النفي، والإثبات، ومن حق الله على عبيده ومن حق الرسالة على الأمة، فإن بان لك شيء من ذلك وارتعت وعرفت ما الناس فيه من الجهل، والغفلة والإعراض، عما خلقوا له؛ وعرفتما هم عليه، من دين الجاهلية، وما معهم من الدين النبوى. وعرفت أنهم بنوا دينهم، على ألفاظ، وأفعال أدركوا عليها أسلافهم نشأ عليها الصغير وهرم عليها الكبيرويؤيد ذلك: أن الولد إذا بلغ عشر سنين، غسلوا له أهله وعلموه ألفاظ الصلاة، وحيى على ذلك، ومات عليه، أتظن من كانت هذه حاله، هل شم لدين الإسلام الموروث عن الرسول، رائحة؟ فما ظنك به إذا وضع في قبره؟! وأتاه الملكان، وسألاه عما عاش عليه من الدين؟ بما يجيب؟هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته؛ وما ظنك: إذا وقف بين يدي الله تعالى، وسأله: ماذا كنتم تعبدون؟ وبماذا أجبتم المرسلين؟ بماذا يجيب؟ رزقنا الله علماً نبوياً، وعملاً خالصاً في الدنيا، ويوم نلقاه آمين.
فانظر:يا رجلحالك، وحال أهل هذا الزمان، أخذوا دينهم عن آبائهم، ودانوا بالعرف، والعادة، وما جاز عند أهل الزمان والمكان دانوا به، وما لا فلا؛ فأنت وذاك؛فإن كانت نفسك عليك عزيزة، ولا ترضى لها بالهلاك، فالتفت لما تضمنت أركان الإسلام، من العلم، والعمل، خصوصاً: الشهادتان، من النفي، والإثبات، وذلك ثابت من كلام الله، وكلام رسوله.
قيل: إن أول آية نزلت، قوله تعالى، بعد (اقرأ): (يا أيها المدثر، قم فأنذر)،قف عندها، ثم قف، ثم قف، ترى العجب العجيب، ويتبين لك ما أضاع الناس، من أصل الأصول. وكذلك قوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً) (الآية: النحل:36).
وكذلك قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهَه هواه) الآية.(الجاثية:23).وكذلك قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) الآية(التوبة:31).
وغير ذلك من النصوص، الدالة على حقيقة التوحيد، الذي هو مضمون ما ذكرت، في رسالتك، أن الشيخ محمد: قرر لكم ثلاثة أصول، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، والولاء والبراء، وهذا هو حقيقة دين الإسلام.
ولكن قف عند هذه الألفاظ، واطلب ما تضمنت: من العلم، والعمل؛ ولا يمكن في العلم: إلا أنك تقف على كل مسمى منها من هو؟ مثل الطاغوت، تجده سليمان، والمويس، وعريعر، وأبا ذراع، والشيطان رئيسهم؛ كذلك قف عند الأرباب منهم؟ تجدهم العلماء، والعباد، كائناً من كان، إن أفتوك بتبديل الدين، ولو جهلا منهم فأطعتهم.
كذلك قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله).(البقرة:165)،يفسرها قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم) الآية. (التوبة:24).
كذلك قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلههَ هواه) (الجاثية:23).
وهذه أعم مما قبلها، وأضرها، وأكثرها وقوعاً؛ ولكن أظنك، وكثير من أهل الزمان ما يعرف من الآلهة المعبودة، إلا هبل، ويغوث، ويعوق، ونسرا، واللات، والعزى، ومناة.
فإن جاد فهمه، عرف أنالمقامات المعبودة اليوم، من البشر والشجر، والحجر، ونحوها؛ مثل شمسان، وإدريس، وأبو حديدة، ونحوهم منها.
هذا ما أثمره الجهل، والغفلة، والإعراض عن تعلم دين الله ورسوله؛ ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس: إن بِنياتحرمة، وعيالهم، يعرفون التوحيد، فضلاً عن رجالهم.
وأيضاً: تعلُّم معنى لا إلَه إلاّ الله بدعة، فإن استغربت ذلك مني، فأحضر عندك جماعة، واسألهم: عما يسألون عنه في القبر، هل تراهم يعبرون عنه لفظاً وتعبيراً؟! فكيف إذا طولبوا بالعلم والعمل؟ هذا ما أقول لك؛ فإن بان لك شيء وارتعت روعة صدق، على ما فاتك من العلم والعمل في دين الإسلام، أكبر من روعتك التي ذكرت في رسالتك، من تجهيلنا جماعتك؛ ولكن هذا حق- أي جزاء- من أعرض عما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام، فكيف بمن له قريب من أربعين سنة يسب دين الله ورسوله ويبغضه ويصدّ عنه ما أمكن؟!
فلما عجز عن التمرد في دينه الباطل، وقيل له: أجب عن دينك، وجادل دونه، وانقطعت حجته، أقر أن هذا الذي عليه ابن عبد الوهاب، هو دين الله ورسوله؛ قيل له: فالذيعليه أهل حَرْمة؟ قال: هو دين الله ورسوله؛ كيف يجتمع هذا وهذا، في قلب رجل واحد؟! فكيف بجماعات عديدة بين الطائفتين من الاختلاف سنين عديدة، ما هو معروف؟! حتى إن كلاً منهم شهر السيف دون دينه، واستمرت الحرب مدة طويلة، وكل منهم يدعى صحة دينه، ويطعن في دين الآخر نعوذ بالله من سوء الفهم، وموت القلوب، أهل دينين مختلفين، وطائفتان يقتتلون، كل منهم على صحة دينه، ومع هذا يتصور أن الكل دين صحيح، يدخل من دان به الجنة، سبحانك هذا بهتان عظيم، فكيف والناقد بصير؟!
فيا رجل! ألق سمعك لما فرض الله عليك، خصوصاً الشهادتان، وما تضمنتاه من النفي والإثبات، ولا تغتر باللفظ والفطرة، وما كان عليه أهل الزمان والمكان، فتهلك؛ فاعلم: أن أهم ما فرض الله على العباد: معرفة أن الله رب كل شيء ومليكه؛ ومدبره، بإرادته وحكمته؛ فإذا عرفت هذا فانظر: ما حق من هذه صفاته عليك بالعبودية، بالمحبة والإجلال، والتعظيم، والخوف، والرجاء، والتأله، المتضمن: للذل والخضوع، لأمره ونهيه، وذلك قبل فرض الصلاة والزكاة، ولذلك يعرف عباده، بتقرير ربوبيته، ليرتقوا بها إلى معرفة آلهيته، التي هي مجموع عبادته على مراده، نفياً وإثباتاً، علماً وعملاً جملة وتفصيلاً.