الناقض الأول : الشرك في عبادة الله تعالى
هذا هو الناقض الأول : من نواقض الإسلام ، الشرك في عبادة الله تعالى : وقد ذكر لنا المؤلف ( الشيخ محمد بن عبدالوهاب ) - رحمه الله - دليلين : دليل لحُكم المشرك في الدنيا ، ودليل لحُكم المشرك في الآخرة
الدليـل الأول : في حكم المشرك في الدنيا
حكمه قال الله - تعالى : - ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) إذًا الشرك غير مغفور، والمراد به هنا الشرك الأكبر؛ لأن الله - تعالى - خصّ وعلق ، فخص الشرك بأنه لا يغفر ، وعلق ما دونه بالمشيئة
والدليل الثاني : حكمه في الآخرة
حكمه في الآخرة الجنة على صاحبه حرامٌ ، وهو مخلّد في النار - نعوذ بالله - ، قال الله - تعالى : - إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
وإذا كان حكمه في الدنيا لا يغفر، وفي الآخرة مخلّد في النار ، والجنة عليه حرام - نسأل الله السلامة والعافية - ؛ فإنه في الدنيا - أيضا - تترتب عليه أحكام منها
أولاً : أنه تطلّق زوجته منه إذا كان متزوجًا ، فلا بد من التفريق بينه وبينها إلا أن يتوب ؛ لأنها مسلمة وهو كافر ، والمسلمة لا تبقى في عصمة الكافر ، قال الله - تعالى : - لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ يعني: الكفار، وقال -تعالى-: وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
من الأحكام - أيضاً : - أنه إذا مات لا يُصلَّى عليه ، ولا يُغسّل
ومن الأحكام : أنه لا يُدفن في مقابر المسلمين
ومن الأحكام : أنه لا يدخل مكة ؛ لأن مكة لا يجوز دخول المشرك ، فيها ، قال الله - تعالى : - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
ومنها : أنه لا يرِث ولا يُورث ، فإذا كانت زوجته مسلمة ، وأولاده مسلمين فلا يرثونه ، ويكون ماله لبيت مال المسلمين إلا إذا كان له ولد كافر ، فإنه يرثه ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم : - لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ ، ولا الكافرُ المسلمَ
ومنها : أنه إذا مات على ذلك فهو من الخالدين في النار - نعوذ بالله من ذلك - والجنة عليه حرام ، إذًا تترتب عليه الأحكام إذا فعل ناقضاً من هذه النواقض واستمر عليه
يقول المؤلف : الشرك في عبادة الله - تعالى
ما هي العبادة حتى نعرف الشرك في العبادة ؟
العبادة : هي كل ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي ، أي : كل ما أمر به الشارع أو نهى عنه ، أمر إيجاب أو أمر استحباب ، أو نهى عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه
فالأمر إذا كان واجباً فإنه يجب فعله ، وإذا كان مستحباً ، فإنه يستحب فعله ، والنهي إذا كان نهي تحريم يجب تركه ، وإذا كان نهي تنزيه ؛ فإنه يكره فعله
أو تقول : العبادة اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، أي : كل ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي ، فمثلاً : الصلاة عبادة ، والزكاة عبادة ، والصوم عبادة ، والحج عبادة ، والنذر عبادة ، والذبح عبادة ، والدعاء عبادة ، والتوكل عبادة ، والرغبة عبادة ، والرهبة عبادة ، والجهاد في سبيل الله عبادة ، والأمر بالمعروف عبادة ، والنهي عن المنكر عبادة ، والإحسان إلى الجيران عبادة ، وصِلَة الأرحام عبادة
وكذلك النواهي ، يتركها المسلم تعبُّدًا لله ، يترك الشرك ، يترك العدوان على الناس في الدماء ، العدوان على الناس في الأموال ، العدوان على الناس في الأعراض ، جحد الحق ، يتعبَّد بألا يفعل هذا المنكر ، يتعبّد بألا يفعل الزنا ، يتعبد لله بأن يترك شرب الخمر ، يترك عقوق الوالدين ، يترك التعامل بالربا ، يترك الغيبة ، يترك النميمة ، كل هذا عبادة
فالعبادة : الأوامر والنواهي : الأوامر تفعلها ، والنواهي تتركها ، تعبُّدًا لله . والأوامر كما قلنا - قسمان
أمر إيجاب ، وأمر استحباب : أمر إيجاب كالصلاة ، هذه واجبة ، وأمر استحباب كالسواك مستحب ، والنهي : نهي تحريم ، كالنهي عن الزنا ، ونهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء
وسواء كان العمل ظاهرًا كالصلاة والصيام ، أو باطنًا كالنية والإخلاص والصدق والمحبة فعليه فعله ، والنهي سواءٌ كان ظاهرا كالزنا ، أو باطنًا كالعجب والكِبْر والغل والحقد والحسد فعليه تركه
فإذًا العبادة تشمل الأوامر والنواهي ، تشمل الأقوال والأفعال ، الظاهرة والباطنة ، التي جاء بها الشرع . فإذا صرف نوعًا من هذه العبادة لغير الله وقع في الشرك
وقد مثّل المؤلف - رحمه الله - لهذا الناقض قال : كالذبح لغير الله ؛ لأن الذبح عبادة ، قال الله - تعالى ، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وقال -سبحانه : - فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فإذا ذبح لغير الله فقد صرف العبادة لغير الله ، فيكون مُشركًا إذا ذبح ، ومثّل المؤلف كذلك كأن يذبح للجن ، فإذا ذبح للجن أشرك ، أو ذبح لصاحب القبر أشرك ، أو ذبح للقمر أو للنجم ، أو للولي ، فإنه يكون قد أشرك
ومثله الدُّعَاء ، إذا دعا غير الله ، بأن يطلب المدد من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، كطلب الشفاء من غير الله ، أو طلب الاستجارة وتفريج الكربة من غير الله ، أشرَكَ
وكذلك الاستعانة بغير الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله ، والاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، فقد أشرك
وكذلك - أيضاً - من العبادات طاعة المخلوق في التحليل والتحريم ، كأن يطيع أميرًا ، أو وزيرا ، أو عالما ، أو عابدا ، أو أبا أو زوجا أو سيدا يطيعه في تحليل الحرام أو تحريم الحلال ؛ فيكون شركاً ؛ لأنه صرَف العبادة لغير الله ؛ لأن الله - تعالى - هو المحلٍّل والمحرِّم أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ
ومثله الركوع ، إذا ركع لغير الله ، أو سجد لغير الله ، فقد صرف العبادة لغير الله ، أو طاف بغير بيت الله تقرُّبًا لذلك الغير أو نذرًا لغير الله ، أو حلق رأسه لغير الله كالصوفية يحلق أحدهم رأسه لشيخه تعبُّدا له ، وكذلك يركع له أو يسجد له ، أو يتوب لغير الله ، كالصوفية الذين يتوبون لشيوخهم ، والشيعة الذين يتوبون - أيضًا - لرؤسائهم ، والنصارى الذين يتوبون لقسيسيهم
لأن التوبة عبادة ، قال - تعالى : - وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وفي مسند الإمام أحمد أنه جيء بأسير، فقال : اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب فالله - تعالى - هو أهل التقوى وأهل المغفرة، والله - تعالى - هو أهل التوبة ، فإذا تاب لغير الله وقع في الشرك ؛ لأنه صرف العبادة لغير الله . لمحمد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : - عَرَفَ الحق لأهله
فإذًا المؤلف - رحمه الله - يقول : الناقض الأول : الشرك في عبادة الله ، وعرفنا أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة
فإذا صرف أي نوع ثبت في الشرع أنه مأمور به ، أو ثبت في الشرع أنه منهي عنه - وقع في الشرك ، سواء ثبت في الشرع أنه مأمور به أمر إيجاب ، أو أمر استحباب ، أو نهى عنه الشرع نهي تحريم أو نهي تنزيه ، فإذا فعل الأوامر لغير الله ، أو ترك النواهي لغير الله فقد وقع في الشرك
والمؤلف مثّل بالذبح ، ومثله الدعاء ، ومثله الاستعاذة ، ومثله الاستغاثة ، ومثله النذر، ومثله الركوع ، ومثله السجود ، ومثله الطواف ، ومثله التوكل ، ومثله الخوف ، ومثله الرجاء ، ومثله حلق الرأس ، وغير ذلك من أنواع العبادة
فإذا صرف واحدًا منها لغير الله فقد وقع في الشرك ، وترتبت عليه الأحكام الآنفة الذكر
------------------
الكاتب : الشيخ :عبد العزيز الراجحي
المصدر :موقع الشيخ :عبد العزيز الراجحي