إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: تابع محاضرة مفرغة بعنوان ( مسئولية الرجل عن الأسرة ) لفضيلة الشيخ / محمد إسماعيل المقدم جزء 2 الأحد نوفمبر 10, 2013 8:10 pm | |
|
أهم الأخطار التي تهدد كيان الأسرة
من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة الشغل المتواصل
الأمر السادس: الشغل المتواصل، فقد أصبح رب الأسرة في معظم الأحيان عاجزاً عن أن يجد الوقت الذي يجتمع فيه بنفسه أو بأفراد أسرته، ويوجههم ويحدثهم ويستمع إليهم، حتى إن زوجته لا يتاح لها أن تجلس معه وتتفاهم معه على الخطة الرشيدة التي يجب أن يسير بموجبها أفراد الأسرة، وقد قلنا من قبل: لابد من وجود سياسة تربوية موحدة بين الأبوين، ويكون هناك اتفاق على أمور أساسية جداً لمصلحة الأولاد، حتى لو كان بينهما خلاف فلا ينبغي أن يظهر أبداً أمام الأبناء، بل يكون خلاف الأبوين سرياً ومكتوماً ولا يطلع عليه الأولاد، فلا بد من الاتفاق على التكامل في الناحية التربوية. فالأب إذا كان يأمر بشيء والأم تأمر بعكسه، يحتار الطفل بينهما، أو الأم تعاند الأب أمام الأولاد، وتحاول أن تكسر كلامه، وتخرق توجيهاته، فهذا كله يدفع ثمنه الأولاد، ولا مخرج منه إلا بالاتفاق على أساليب تربوية معينة تدور على التنسيق والتكامل بين الطرفين، والآن الرجل في الصباح يسارع إلى عمله الدنيوي، ولا يعود إلا متأخراً ليأخذ قسطاً من الراحة، وخلال هذه الفترة تمنع الحركات والهمسات، ولا يستطيع أحد أن يتكلم معه، ثم لا يعود في المساء إلا في ساعة متأخرة من الليل ليجد أهل البيت نياماً! بعض الآباء يستعملون البيت مثل الفندق أو (اللوكندة) يأتي ليبيت فيه ثم في الصباح ينصرف، ولا علاقة له بالعملية التربوية، فيعود في المساء ليجد الأولاد نياماً، ويذهب في الصباح أيضاً وهم نائمون، ولا شك أن هذا أمر مستنكر من عموم الناس، وهو من المتدينين أشد استنكاراً؛ لأن هذا الأخ المتدين سيجد نفسه بعد مدة -بمرور الزمن- في واد وزوجته وأولاده في واد آخر، يحلم أن أولاده سيكونون ملتزمين، ومن أين سيأتي الالتزام بهذه الطريقة؟! لا بد أن يكون هناك توجيه وتربية وتخطيط وآداب ومعاونة، أما مجرد الأماني فلا تنفع، قال الله: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ [النساء:123]. هذا شيء طبيعي، ويأتي بعد ذلك الأب يشكو أن ابنه منحرف مع الأولاد ويفعل كذا وكذا. . أو لا يصلي أو إلى آخر هذه الشكاوى، فهل ستأتي له من السماء وتنزل عليه هذه الاستقامة أم لا بد من الأخذ بهذه الأسباب؟! فبمرور الوقت تزداد الهوة والفجوة بين الطرفين، لا شك أنه سيندم ولاة ساعة مندم، وهذا الشغل لم يقتصر على الرجل، بل شمل في بعض الأسر المرأة التي تترك بيتها طوال النهار، وتكل تربية أبنائها وإعداد بيتها للخادمة؛ فيكون من ذلك الضياع التام. إما الخادمة وأحياناً يكون الشارع، وأحياناً ملاجئ الإيواء التي يسموها الحضانة وغيرها من الأسماء، لكن هي أماكن مجرد إيواء، هل ممكن أن يقدم للطفل من الرعاية في هذه الأماكن عشر معشار ما تقدمه الأم في البيت؟ لا يمكن أبداً. من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة روح اللامبالاة الأمر الثاني: روح اللامبالاة، وهي روح منتشرة في كثير من الناس، مع أن الشرع الشريف يربي في المسلمين الشعور بالمسئولية، ولا أدل على ذلك من قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته). فنحن نتكلم كثيراً عن الحكم بما أنزل الله ثم نقتصر فقط على دائرة الحدود، الحكم بما أنزل الله في كل الأمور الشرعية، أنت إذا رجعت إلى أي كتاب فستجد فصلاً كبيراً اسمه: الحكم والحاكم والمحكوم فيه والمحكوم به والمحكوم عليه. . إلى آخره، فحكم الله في كل شيء، فأنت مطالب أن تحكم بما أنزل الله في بيتك، وأن تدير هذا البيت وفق شريعة الله سبحانه وتعالى، فكثير من الآباء يوجد عندهم روح اللامبالاة بالأولاد، وهذا مضاد للإسلام الذي خاطب الآباء بقوله: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وقال في نفس الحديث: (الرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته)، وقال صلى الله عليه وآله سلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته). فلا تظن أنك إذا أسأت إلى الأولاد أو إلى الزوجة أن الزوجة ستصبر، وأن الأولاد لجهلهم بحقوقهم ما زالوا صغاراً لا يدركون أنك مقصر، أو يستحيون أن يحاسبوك، لا تظن أنك قد نجوت بهذا، فالسؤال منتظر لك يوم القيامة، فستسأل عن سلوكياتك معهم. الإسلام نمى في المسلمين الشعور بالمسئولية نحو الأبناء، فليس هناك أمر يحدث في المجتمع ولا يكون له تأثير، وما أروع حديث السفينة الذي يجعل أي عمل من أي فرد له تأثير على المجتمع كله، فهذا الحديث يبين لنا أن روح اللامبالاة تقضي على الأمة كلها. المسلمون في بلادهم عبارة عن أناس يركبون هذه السفينة، إذ لو أن ذاك الرجل الذي أراد أن يخرق في موضعه من السفينة خرقاً ترك وشأنه، يثقب ثقباً في السفينة ليشرب ولا يؤذي من فوقه، ولم يؤخذ على يده؛ هلك وهلكوا، وآل الأمر من أصغر خرق إلى أوسع خرق، ثم البحر يبتلعهم جميعاً، فإذا استسلمنا جميعاً لروح اللامبالاة فلا شك أن ركاب السفينة جميعاً سيغرقون. ومظاهر الشعور باللامبالاة كثيرة جداً، وهذا الكلام ينكأ كثيراً من الجراح عند بعض الناس؛ لأن بعض الآباء لم يعرف ابنه في السنة كم ذهب إلى المدرسة، وليس عنده أي خبر على أنه ابنه كثير الغياب، وهو يظن أنه خلق لينفق المال، وهو غير مقصر مع أولاده ما دام أنه يعطيهم مالاً، فيهمل أولاده تماماً حتى أن بعضهم لا يعرف ابنه في أي سنة دراسية بلغ أو في أي مدرسة يدرس، فهناك نوع من اللامبالاة والإهمال يعكس فعلاً تمكن الأمية التربوية في مجتمعنا. من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة لزوم التقاليد الاجتماعية وقلة العلم بالدين الأمر الثالث: لزوم التقاليد الاجتماعية المتعفنة وقلة العلم بالدين، فنرى كثيراً من هذه التقاليد التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى تحل محل الدين في كثير من بلاد المسلمين، ومما مكن لها السيطرة الجهل وتخلف الوعي الإسلامي، فالعادات والتقاليد متمكنة تمكناً راسخاً، بحيث ينضاف إليها تخلف الوعي الإسلامي والجهل بأحكام الإسلام. وهذه الأمور تختلف من مكان إلى مكان، لكنها في كل مكان تسيء في عملية بناء الأسرة بناءً متيناً أو تؤثر في محاولة الإبقاء عليها أمام هذه الأعراف، فالتقاليد الاجتماعية المتعفنة راسخة وظاهرة وكثيرة ومعروفة مع الجهل بالدين، فتسيطر على الناس التقاليد والأحوال الاجتماعية بسبب الجهل بالشريعة الإسلامية. من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة تسلط المرأة على إدارة البيت الأمر الرابع -وهو من الأمور التي أحدثت الاعوجاج في أوضاعنا الاجتماعية وخاصة التربوية-: تسلط المرأة على إدارة البيت، فمن النقص أن ينزل الرجل نفسه في غير منزلتها اللائقة بها، فالله سبحانه وتعالى جعل الرجال قوامين على النساء، وإذا فسد القوام فسد جميع الأقوام، فالرجل له مقام ربان السفينة. فمن هو قائم على شيء فهو أفضل منه، فما دام الرجل قواماً على المرأة فهو بلا شك أكمل من المرأة، وأقدر على الإدارة من المرأة، فشأنه أن يكون مطاعاً لا مطيعاً، ومتبوعاً لا تابعاً. وما المرء إلا حيث يجعل نفسه فإن شاء أعلاها وإن شاء سفلها وقد استشرى داء تسلط المرأة وطغيانها في أوساطنا بسبب التفلت، وهو من أخطر الأمور وأكثرها إيذاء، وينتج عنه كثير من الاضطرابات النفسية، أو يزيد من الاضطرابات النفسية إن كانت موجودة، وهذه المصيبة يدفع ثمنها غالياً. فقد تقترح المرأة أن تلبس البنات لباساً لا يقره الإسلام بحجة أنهن صغيرات، وأن الناس هكذا يعملون، وأن المصلحة في مسايرة الزمان، وتظل توسوس لزوجها كما يوسوس الشياطين إلى أن ينهزم الرجل ويستسلم. قد ترى المرأة تقوم بألوان من الاستقلالات التي لا يقرها الإسلام، ويضعف الرجل ويوافق، ويكون في هذا هدم للأسرة، فهذا انتكاس وقلب للأوضاع، حيث تبقى المرأة هي المسيطرة على الرجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الكلام على أمارات الساعة: (أن تلد الأمة ربتها) يعني: ينقلب المخدوم خادماً، والخادم مخدوماً. وليست القوامة أن شخصية المرأة تلغى، لكن جعل الله سبحانه وتعالى القوامة في حدود شرعه، فلا شك أن القوامة هي عملية تنظيمية وليست عملية استبدادية أو استعبادية كما يزعم أعداء الله عز وجل وأعداء المرأة الذين يزعمون أنهم أنصارها، فمهما يكن من أمر فلا شك أن إلغاء شخصية الرجل أكبر خطراً وأعظم أثراً. من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة طغيان الحنان والشفقة الأمر الخامس: طغيان الأمومة الحانية والأبوة المشفقة، وهذه مبالاة بصورة مرضية، وتسمى الحانية الزائدة، فقد تطغى على الأم الأمومة الحانية أو على الأب مشاعر الأبوة المشفقة، وتتعدى حدودها، وإزاء هذا الفيض من العاطفة، والسيل المتدفق من الحنان، والميل الشديد لاسترضاء الولد وإدخال السرور عليه؛ وقف الإسلام وقفة المذكر المنبه، فلكل شيء حدود، فهذا الحنان وهاتيك العاطفة قد تنسيان الأب مهمته في التوجيه والتربية، فينقلب عندئذ إلى منفذ لأوامر الأطفال الصغار، ويفلت منه الزمام تماماً بحيث تبقى وظيفته هي عبارة عن منفذ لأوامر الأطفال الصغار! فيكون الولد ملكاً في البيت ما يأمر به من أمر إلا يسمع له ويطاع، حتى لو خرب ميزانية المنزل، فمثلاً يريد لعباً من المحل الفلاني رآها وهو يمشي في الطريق، أو يريد يرى قريبه، فينقلب الأب منفذاً، ويتخلى عن التاج الذي وضعه الشرع على رأسه، ويصبح هذا التاج فوق رأس الطفل، وتصبح وظيفة الأب هي تنفيذ أوامر الأطفال الصغار، ويسارع في تحقيق رغباتهم مع أنهم لا يعرفون من الحياة شيئاً، ولا يدرون ما ينفعهم ولا ما يضرهم. فكثير من أجيال المسلمين اليوم لم يجدوا في والديهم إلا الحنان المحض أو الإهمال اللامبالي، فهذا هو التطرف، وهو الأخذ بأطراف الأمور، إما إغراق في الحنان بصورة فيها تطرف وغلو بحيث إنه يصل إلى أن الولد يمسك زمامه، ويوجهه إلى ما يريد، خاصة في بعض الأسر المترفة التي عندها يسار، فيقول الأب: عندنا أموال فلماذا ننكد عليه؟ فيظل مهما أمر يقول الأبوان: سمعنا وأطعنا يا مولاي! ويحصل هذا القلب للأوضاع، فالمرءوس يصير هو الرئيس. والإهمال واللامبالاة بالأولاد غالباً يكون من الأب بسبب انشغاله بالرزق أو سفره إلى الخارج كي يجلب لهم المال، وأحياناً قد يسافر الأب والأم معاً إلى الخارج، ويبقى الأطفال ضحية للضياع ولأصدقاء السوء، وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى. وبسبب هذا التطرف من ناحية الحنان المحض الزائد أو من ناحية الإهمال واللامبالاة المطلقة رأينا أجيالاً فيها الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة. يقول الدكتور محمد الصباغ حفظه الله تعالى تعليقاً على هذه النقطة: سمعت من الأستاذ مالك بن نبيرحمه الله أن رجلاً جاء يسترشده لتربية بنت ولدت حديثاً، فسأله: كم عمرها؟ قال: شهر، قال: فاتك القطار! قال: وكنت أظن في بادئ الأمر أنني مبالغ، ثم عندما نظرت وجدت أنما قلته هو الحق، وذلك أن الولد يبكي فتعطيه أمه الثدي، فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد، ويكبر على هذا، فإذا ضربه اليهود بكى في مجلس الأمن، ويظن أن البكاء والصراخ يوصله إلى حقه! وبعض الناس يسمع هذا الكلام ويخطئ في تنفيذه، فهذا الكلام له ضوابط، فالطفل لغته الوحيدة التي يستطيع بها التفاهم مع المحاطين به هي البكاء، فبعض الناس يقول: ما دام أن الطفل يبكي إذاً نعاقبه وإن كان رضيعاً ابن شهر أو شهرين، مع أن البكاء هو طريقة الحصول على الطعام، فالطفل لا يستطيع أن يقول للناس: أريد أن أرضع، فالبكاء هي اللغة والوسيلة الوحيدة التي يستطيع الطفل أن يعبر بها عما أراده، والبكاء أنواع: بكاء بسبب المرض، بكاء بسبب الجوع، بكاء بسبب الحر، بكاء يريد به أن ينظف وتزال عنه القاذورات مثلاً، فأسباب البكاء كثيرة، فاللغة الوحيدة للطفل هي لغة البكاء، لكن دلالاتها تختلف، والأم التي عندها خبرة تربوية عالية تستطيع أن تميز كل نوع من أنواع البكاء، وتعرف أن هذا بسبب المرض، وهذا بسبب الجوع، وهذا بسبب الحر. . وهكذا. عندما كان الرجل في سابق الأيام مسيطراً على البيت كانت جلادته وصلابته تخففان من لين الوالدة، أما بعد أن استنوق الجمل في كثير من الأوصاف، -استنوق: أي: صار الجمل ناقة-، وأصبح الرجل يتصف بهذه الأوصاف، ولا مهمة له إلا القيام بالخدمات وجلب الأغراض والحاجيات، ودفع المال والنفقات؛ لم يعد يملك من أمر بيته إلا اليسير كما هو شأن هذا الجيل المائع المنهار. وعلى المرأة المسلمة وظيفة أساسية وهي أن تحافظ على وضعية زوجها وأبي أولادها أمام الأولاد؛ لأنها إذا حاولت هدم هذه الوضعية فالجميع سيدفع الثمن، الزوج والزوجة والأولاد، فحينما تريد أن تنتقم من الأب بأن تشوه صورته أمام أولادها تنقص قدره، وتظن أنها سوف تفوز بانحياز الأولاد إليها؛ فإن هذا يفقدها سلاحاً في غاية الأهمية، وضرورياً لصيانة هؤلاء الأولاد، وإذا غاب سلطان الأب وضعف على الأولاد، فلا شك أن هذا ثمنه فادح. من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة عدم النظر إلى العواقب أول هذه الأمور التي تعرض الأسر للخطر: عدم تقدير المستقبل، فكثيراً ما يتصرف الناس بعض التصرفات، ثم لا يقدرون أثرها في المستقبل، وهذا أمر خطير في التعامل مع الطفل منذ فترة الولادة مباشرة كما سنبين بالتفصيل، وربما تمتد إلى فترة المرحلة الابتدائية، فنظرة بعض الآباء للطفل أنه عبارة عن لعبة يتلهى بها، وينظر إليه بازدراء، وأنه ما يأتي منه شيء، وهو ما زال صغيراً، فيحرم كثير من الخير الذي كان يمكن أن يحصله، وأيضاً تزرع فيه كثير من الأمور الهدامة لنفسية هذا الطفل، مما يجعله لا يثق بنفسه أو ينشأ مشوهاً نفسياً. فالآباء يفعلون كثيراً من التصرفات دون أن يدركوا أن هذه التصرفات لها أثرها على أولادهم في المستقبل، وعندما نقول: الآباء ندرج ضمن هؤلاء أيضاً المدرسين؛ لأن الطفل يقضي مع المدرس وقتاً ليس بالهين في المدرسة، ويتلقى العلم على الأساتذة، ويتسرب إليه من رفقائه كثير من المفاهيم، ونحن نتصور أنه شيء هين عادي، لكن هو يترك أثراً في نفسية هذا الطفل خاصة إذا تكرر، فمثلاً الطفل الذي يرسم رسماً ليس فيه روح، فيأتي إلى المدرس أو المدرسة وهو منبهر أنه رسم في حصة الرسم الشيء المطلوب منه حديقة أو بحراً أو كذا، فالمدرسة دائماً ترد على كل طالب مهما كان مجيداً للرسم: سيأتي نفس هذا الرسم! فهذه أكبر كلمة تقال! وهي كلمة عابرة، والمدرسة متصورة أنه شيء سهل هين، لكن الطفل يصطدم صدمة شديدة، ويفقد الثقة بنفسه؛ لأنه قيل له الألفاظ المعروفة، فيبوء بالخيبة والفشل، ولا يجد أملاً! تصوروا أن هذه حوادث عابرة تترك تأثيراً عظيماً في الطفل حتى الطفل الرضيع والجنين في بطن أمه يتأثرا بكثير من الأشياء كما سنبين. ومثلاً يرد الطفل على الهاتف، فيسأل المتصل عن أمه أو أخيه أو أبيه فيقول له: قل له: إنه غير موجود، ويتصور أنه حادث عادي، دون أن يدرك أن هذه السلوكيات في المستقبل لها أثر هدام في سلوكيات الأبناء. فأكبر خطر وأكبر مشكلة أننا نتعامل مع الطفل دائماً بعقلياتنا نحن، فالشيء الذي نراه مساوياً تماماً لعقلنا نكافئه عليه، ونعاقبه إذا قصر في هذا مع أنه لا يد له في ذلك، وأنت لما كنت طفلاً كنت مثله، وكانت إمكاناتك قليلة، وخبراتك قليلة، وإنما تتعلم عن طريق التجربة والخطأ والتلقين والقدوة وغير ذلك من الوسائل، ومن الخطأ الشديد تعذيب الأولاد بالضرب والإهانة والتحقير، ويريدون بذلك أن يتصرف الطفل تصرفاً سليماً صحيحاً. فترى الأب يغضب ويعاقب ابنه للتشفي منه في حين أنه ليس عليه ذنب، فالشرع الشريف قد رفع عنه القلم، ولم يؤاخذه حتى على الصلاة إلى سن العاشرة، وقبلها يؤمر فقط بالصلاة إذا بلغ السابعة فما بالك بما دون ذلك؟! فالشاهد أننا مع الأطفال نتهاون في التصرف أمامهم بتصرفات دون أن نقدر خطرها عليهم في المستقبل، ونتصور أن السكوت على أمر ما هين يسير، ولكن السكوت على هذا الشيء قد يهدم الأسرة هدماً تاماً! قد يتصور الأب أن أولاده الصغار لا يستحقون أن يخصهم بجزء من وقته الثمين، فهو يضحك ويسخر منهم، ولا يأمر واحداً منهم بخير، ولا ينهاه أو يحذره من شر، ولا يقدر المستقبل، ولا يدري أن هذا الطفل الصغير سيكون بعد مدة وجيزة رجلاً كبيراً، وقد يكون له شأنه في البيت وفي المجتمع كله. هذا هو الأمر الأول الذي ينبع من أنفسنا، ونسيء به إلى أبنائنا، وهو عدم تقدير المستقبل، ولا نحس بخطورة الإهمال الذي نتمادى فيه تجاه الأولاد، فهذا له ثمن فيما بعد، فهو يراك -مثلاً- حينما تعق أباك أو تعق أمك، فهذا درس عملي له، وسوف يتسرب إليه نفس هذا الشيء فيما بعد، ويفعل نفس الشيء فيعقك أنت، قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]. فالسلوكيات التي تمر بصورة عفوية ولا ندرك خطرها في المستقبل، هي تنزرع في أعماق هذا الطفل حينما يشب وينشأ عليها، فهذا هو الأمر الأول: عدم تقدير المستقبل والنظر إلى عواقب سلوكياتنا مع الأبناء. | |
|