إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: المولد النبوي بين الاتِّباع والابتداع . السبت ديسمبر 03, 2016 7:28 pm | |
|
المولد النبوي بين الاتِّباع والابتداع .
تصحيح لغوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا .
نقلًا عن / د.ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان .
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اهدني وسددني وثبتني
المولد النبوي بين الاتباع والابتداع .
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله .
أحمده سبحانه وأشكره، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدرًا ، وأسماهم ذكرًا ، خير الأنام، وبدر الظلام، وماء الغمام، أحَبَّكَ ربي فصلى عليك، عليك الصلاة وأزكى السلام، وعلى آله وصحبه أولوا النهى والأحلام، والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فإن مولده صلى الله عليه وسلم كان حدثًا عظيمًا، لكن هذا الحدث انقسم الناس فيه إلى فريقين ما بين متبع لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، باتباع ما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر صلى الله عليه وسلم، وبين مبتدع ابتدع بدعًا حَسَّنَهَا له ذوقه وهواه، وزيَّنَها لهُ شيطانُه ونَفْسُه، فنشأ عند بعض الضلال من الرافضة والصوفية وجهلة المسلمين ما يسمى بالاحتفال بيوم " المولد النبوي الشريف ".
وقبل التحقيق الموجز لهذه المسألة ينبغي أن يَعْلمَ الجميعُ أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات إلا وقد بين لنا أحكامَ الدين أكمل بيان وأوضحه، بل ما مات صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في السماء إلا وعند الأمة منه خبر.
في يوم الحج الأكبر أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم آيةً من كتابه بَيَّنَ فيها كَمَال الدينِ وتمامِهِ، فقال عز وجل: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة:3]،
وتأملوا في قوله:{ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فجاء بلفظة الكمال هنا، مع ورود لفظة التمام في ذات الآية، فما الفرق بين الكمال والتمام في القرآن الكريم؟
علمًا أن لفظة الكمال بسياقها في القرآن لم ترد إلا في موضعين :
في آيات الصيام في سورة البقرة بقوله تعالى: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ }[البقرة:158]،
وفي هذه الآية، وتأملوا ذلك في كتاب الله عز وجل.
إن المُتأملَ في لفظة الكمال يُدرك أنَّهُ لا يُؤتى بها إلا في الشيء الذي لا يمكن أن يُزاد عليه، بل الزيادة عليه مما يُعاب لا مما يُستحسن، ومما يُرَدُّ بغير قبول،
فإذا بلغ الشيءُ المثالَ الأَعلى يُقالُ له كَمُلَ أَو كَمَال، ولذلك قال الله هنا:{ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }.
أما التمام فقد يزاد عليه، والزيادة فيه مقبولةٌ أحيانًا، ولذلك قال الله هنا:{ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فقد يُتم اللهُ على العبد نعمة، ثم يَمُنُّ عليه بزيادة نِعَم على نعمه التي آتاه، فتكونُ الزيادةُ والتمامُ له بالنِّعم مما يُقبلُ ويُحمد.
وعليه فإن الدين قد كَمُل فلا يَقْبَلُ الزيادة، فمن زاد في الدين فقد أنقصه،
كما أن النقص فيه نقص،
ولذلك جاء في الصحيحين من حديث أُمِنَّا عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ »،
وفي رواية مسلم: « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ».
فهذا الحديث أصل من أصول الدين، فهو أصل لرد كل مُحْدَثٍ وبدعة،
قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -:( فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن لهُ أصلٌ من الدين يُرجع إليه فهو ضَلَالَةٌ، والدين بريء منه، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادِ، أو الأعمالِ، أو الأقوال الظاهرةِ والباطنة) جامع العلوم والحكم(2/128)،
فإذا تقرر هذا الأصل فنلج إلى مسألة الاحتفال بالمولد النبوي وحكمه:
الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعةٌ منكرة، يجب إنكارها والتحذيرُ منها، وليست كما قال بعضهم مسألة اجتهادية يسوغ فيها الخلاف ،
بل لا خلاف في بدعيتها، وتظهرُ بدعيتُها من أوجه:
أولًا: ينبغي أن يُعلم أنه لا يثبت بدليل صحيح، أو نقل صريح من أهل التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول،
بل في تاريخ مولده - عليه الصلاة والسلام - خلاف مشهور، فلا يثبت أنه ولد في هذا التاريخ، بل الصحابة لم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين إلا منه، فهو أعلم الناس بمولده ، ومع هذا لم يُحدد لهم أي اثنينٍ هو ؟
ولا سألوه هم، لأن الدين عمل لا حَدَث.
فلم يثبت على وجه التحديد تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذَكَر أهلُ السير في ذلك أقوالًا متعددة،
قد اُشْتُهِر القولُ بأن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد رجحه بعض العلماء، إلا أن ذلك لا يثبت بوجه صحيح.
ثانيًا: لا يُعلم من أحدٍ من أهل القرون المفضلة أنهم احتفلوا بالمولد النبوي،
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم خيرَ القرون بقوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » متفق عليه،
والخيرية هنا في الاتباع، فلم ينقل في تاريخ الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وتابع تابعيهم، بل إلى ما يزيد على ثَلاَثِمِائة وخمسين سنة هجرية، لم نجد أحدًا لا من العلماء، ولا من الحكام، ولا حتى من عامة الناس قال بهذا العمل، أو أمر به، أو حث عليه، أو تكلم به،
بل ورد ما يدل على خلافه، وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرَّخ التاريخ بالهجرة النبوية، ولم يؤرخه بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل أهل الكتاب في عيسى عليه السلام ، ليَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّنَا أمةُ عمل، لا أمة أزمنة، وحوادث مجرَّدة.
قال الحافظ السخاوي - رحمه الله تعالى - في فتاويه: ( عمل المولد الشريف لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعدهم ). نقلًا عن سبل الهدى والرشاد للصالحي (1/439) ط. وزارة الأوقاف المصرية.
إذن السؤال المهم: متى حدث هذا الأمر - أعني الاحتفال بالمولد النبوي - ؟
وهل الذي أحدثه علماءُ أم حُكَّامُ وملوكُ وخلفاءُ أهل السنة وممن يوثق بهم، أم من غيرهم؟
والجواب على هذا السؤال باختصار كما قرره أهل التاريخ والسير، ومعرفة أحوال الناس:
أنه حدث في القرن الرابع الهجري على يد حكام الدولة العُبَيْدِيَّة الرافضية - المُدَّعية زورًا بالفاطمية - فهو ابتداع من دولة رافضية، ذات زورٍ وبهتان،
وهذه البدعة نشأت عندهم من الغلو في آل البيت المتمثل في إقامة مولد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم ، فَحَشَروا بدعة المولد النبوي بين هذه البدع تماشيًا مع بدعهم.
ثالثًا: العبادات مبنية على التوقيف، فلا يُتعبد عز وجل إلا بدليل من الكتاب والسنة، فهل الله عز وجل تعبدنا بالاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم وبمولده ؟ أم تعبدنا باتباعه والسير على منهجه واقتفاء أثره ؟
يقول الله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب:21]،
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى -: ( هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله، وأفعاله، وأحواله) تفسير ابن كثير (6/391).
لما ادعى قومٌ محبة النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاهم الله بهذه الآية: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران:31]،
فمن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يُطالب باتباعه، لا بالاحتفال بمولده.
رابعًا: هل النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بهذا، أو ذَكَّرَ به ؟ أم أنه صلى الله عليه وسلم حذر من مثل هذا التصرف من إطرائه وتجاوز الحد فيه؟
لقد حذر من ذلك على المنبر بقوله صلى الله عليه وسلم: « لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ » أخرجه البخاري،
ولذلك يقول الله عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور:63].
قال ابن كثير- رحمه الله تعالى -:( أي: فليحذر وليخْشَ مَن خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا؛ { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة، { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: في الدنيا، بقتل، أو حَد، أو حبس، أو نحو ذلك) تفسير ابن كثير (6/90).
فنحن أُمرنا بالاتباع لا بالابتداع، وبالمحبة له صلى الله عليه وسلم لا بتجاوز الحد فيه، وبتوقيره لا برفعه عن منزلته،
والذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله عز وجل صاحبَه وفاعلَه بقوله: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } [النساء:115]،
والذي يفعل ما يُسمى بالمولد ويحتفل به لاشك أنه متبعٌ لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
خامسًا: أيهما أعظم يومُ " المولد "، أم يومُ "البعثة"؟
يومُ المولد عظيم، لكنَّ يومَ البعثة أعظمُ، ففيه نزل عليه صلى الله عليه وسلم القرآن، وشُرِّفَ بالنبوة، ومع ذلك لم يحدد صلى الله عليه وسلم يوم البعثة لأنه ليس محلًّا لعمل خاص، فكيف يُعظم يوم المولد؟
والله تعالى لم ينوه في القرآن بمولده، وإنما نوه ببعثته - عليه الصلاة والسلام - فقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [آل عمران:164].
سادسًا: الاحتفال بالمولد النبوي يفتح الباب على مصراعيه للبدع الأخرى والموالد والاحتفالات، كما هو حال الجهلة الآن، من إقامة الاحتفالات بذكرى الهجرة، والإسراء والمعراج، ومعركة بدر، ومولد البدوي، والدسوقي، والشاذلي،
حتى صار غالبُ دين هؤلاء احتفالات، ورقص وغناء، وذكريات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
سابعًا: إن هذا الاحتفال مع كونه بدعة في الدين، فهو كذلك مشابهة للنصارى في احتفالاتهم البدعية بمولد المسيح عيسى عليه السلام في كل سنه، وقد نُهينا عن مشابهتهم في عباداتهم، وأعيادهم وعاداتهم التي يختصون بها.
ومما سبق يتبين أن هذا العمل ليس عليه هديُ النبي صلى الله عليه وسلم، وليس عليه هديُ خلفائه، ولا من جاء بعدهم ،
بل هو بدعةٌ رافضيةٌ مقيتة، وحدثٌ صوفيٌ رذيل، وفعلٌ من جُهلاء قبيح،
نسأل الله الهداية لجميع المسلمين، والنجاة من البدع والمحدثات...
اللهم آمين.
والله تعالى أعلم وأحكم .
وكتبه الفقير إلى عفو سيده ومولاه / د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان
| |
|