إبراهيم باشا Admin
عدد المساهمات : 703 تاريخ التسجيل : 23/02/2013 الموقع : http://www.ansarsonna.com
| موضوع: إلى كل مسلم بعد الحج . السبت سبتمبر 17, 2016 9:32 pm | |
|
إلى كل مسلم بعد الحج .
تصحيح لغوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا .
إعداد : أمير بن محمد المدري . إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن .
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
نحمده - تعالى - ونشكره ونثني عليه الخير كله، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ..
عباد الله إن كل مشكلة وكل معضلة وكل ضيق وكرب سلاحه بالإيمان والتقوى ، قال جل وعلا : ((وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ )) (آل عمران: 120)
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا )) (الطلاق: 2) ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا )) (الطلاق: 4) ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا )) (الطلاق: 5) ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)) (الاعراف: 96)
هذا وعد الله ، ومن أصدق من الله قيلًا ، ومن أصدق من الله حديثًا .
أيها المسلمون ،
عاد الحجاج بعد المناسك المباركة . عاد ضيوف الرحمن بعد أن طافوا بالبيت العتيق ووقفوا بعرفات ،ورموا الجمرات وأتموا مناسكهم ، ولسان حال كل حاج منهم :
" عندما اكتحلت عيناي برؤية البيت الحرام .... لا أدري أظهر مني الفرح أو البكاء ، خلف المقام صليت ، وفي الحجر سجدت ، وفي أرضه مرَّغت أنفي .. بيدي لمست حجرًا من أحجار الجنة ، بعيني رأيت ياقوتة من ياقوت الجنة ... شفتاي قبَّلتا الحجر الأسود وصدري ألْصقته بالملتزم .. من أطيب ماء في الدنيا شربت حتى ارتويت ، وعلى جبل الصفا وقفت .. مَن أسعد مني في الدنيا ؟ لعلي وضعت جبهتي حيث وضع النبي الكريم قدماه الشريفتان . أو مرغت وجهي حيث سقطت دمعته وهو ساجد عند الكعبة .. إنها مشاهد لا أنساها ما بقيت على قيد الحياة ..
لكن عباد الله ، ماذا بعد الحج ؟ هل ستنتهي طاعة الله بانتهاء الحج ؟ هل سينتهي ذكر الله بانتهاء مناسك الحج ؟
لا والله ، بل الحج مدرسة لغرس حب الله في القلوب .
مطلوب من كل حاج أن يعود إلى بلده وقد امتلأ قلبه حبًّا لله ولدين الله ليحيا طيِّبًا ويعيش طيِّبًا ويعمل طيِّبًا ، ( إن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيِّبًا )
ويأكل طيِّبًا : قال تعالى : (( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )) (البقرة: 168 ) وقال جل شأنه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )) (البقرة: 172 )
ويموت طيِّبًا : قال تعالى: (( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) (النحل: 32)
ويدخل دار الطَّيِّبين : قال تعالى (( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ )) (الزمر: 73)
عباد الله ،
إن الهدف من العبادات ليس العبادة فقط ولكن ما بعدها ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا .
والصيام ما شرع إلا لحكمة وهي غرس تقوى الله في القلوب . قال جل وشأنه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) (البقرة: 183)
والزكاة والصدقة تُطهر المؤمن من البخل والشح وتُطفيء غضب الله جل وعلا : (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) (التوبة: 103)
والحج كذلك ،
فعلامة قبول العبادة ما بعدها ، وعلامة قبول الحسنة الحسنة بعدها .
اللهم تقبل منا ولا تردنا خائبين برحمتك يارب العالمين .
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد :
عباد الله ،
بعد اتنهاء المناسك ما المطلوب منا ؟
هل سينتهي ذكر الله بهذه المناسك ؟
اسمعوا ماذا يقول الله تعالى : (( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{201} أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) (البقرة: 201 ـ 202 )
وانقسم الناس بعد ذلك إلى قسمين :
* قسم همه الدنيا يعيش لها ،حريص عليها ،مشغول بها ، حتى دعائه للدنيا .. هؤلاء يعطيهم الله نصيبهم في الدنيا إذا قُدر لهم ولا نصيب لهم في الآخرة.
* وفريقًا آخر أفسح أُفُقًا وأكبر نفسًا ؛ لأنه موصول بالله يريد الحسنة في الدنيا ولا ينسى نصيبه في الآخرة .
(( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ )) (الشورى: 20 )
ويأتي تقسيم آخر للناس بعد آيات الحج يُقسم الناس إلى صنفين :
الأول صنف يتناقض ظاهره مع باطنه ،يدَّعي الإصلاح للأرض وهو يُفسدها ، ومع ذلك يحلف ويُشهد الله على ما في قلبه. قبل أن يتولى يقول سأفعل سأبني ، سأصلح الأرض ولكن ما إن يتولى حتى يكثر في الأرض الفساد والدمار ، وإن قيل له اتق الله تكبر وأخذته العزة بالإثم مصير في الأخير جهنم وبئس القرار .
(( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )) (البقرة: 204 ـ 206)
والصنف الثاني صنف باع نفسه ابتغاء مرضات الله وسلَّمها كلها لله لا يبغي من ذلك شيء ، مؤمن خالص لا مداهنه ولا رياء .
قال تعالى : (( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ )) (البقرة: 207)
عباد الله ،
إن من حِكَمِ الحج العظيمة غرس عظمة الله في القلوب والاطمئنان بذكره في كل حين ،
فذكر الله بعد الحج:
(( فإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ))
ذكر الله بعد الصلاة جمعة أو غيرها :
(( فإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (الجمعة: 10 )
ذكر الله في ساعة تسقط فيها الجماجم وتسيل فيها الدماء ،في ساعة الجهاد : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ )) (الأنفال: 45)
ذكر الله ليس تحريك الشفتان بالتسبيح والتحميد والتهليل فقط لا بل مطلوب أن تذكر الله يا عبد الله في كل حين ،
تذكر الله حال النعمة _ أي نعمة _ فتشكره عليها ،
تذكره حال المصيبة _ أي مصيبة _ فتحمد الله عليها وتعلم أنه هو الذي قدَّرها ، وتقول : " إنا لله وإنا إليه راجعون ".
تذْكُر الله أمام الحرام فتقول : " معاذ الله خالقي ورازقي " .
عباد الله ،
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا ولا تذكروه قليلًا ؛ فالمنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا ، والمؤمنون يذكرون الله كثيرًا .
قال تعالى: (( كيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا )) ( طه: 33 )
وقال تعالى : (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )) (الشعراء: 227)
وقال تعالى : (( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )) (الأحزاب: 21)
وقال تعالى : (( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )) (الأحزاب: 35)
(( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )) (الأحزاب: 41)
وقال تعالى: (( فإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (الجمعة: 10)
وهكذا يا عبد الله ،
تذكر الله في كل ساعة وفي كل حين ؛ ليثبتك عند الموت بـ " لا اله الا الله " يثبت الله . اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يارب العالمين .
اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحًا .
اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك.
أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا .
| |
|