310454
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاد له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرا.

أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

يا أهل التوحيد، يا إخواني في الله: إن جوهر التوحيد، ولب التوحيد هو تمام التعلق بالله - عز وجل - في جميع الحالات، وانقطاع التعلق من البشر، تعلق القلب وفعل الأسباب مع الاعتقاد التام أن المسبب هو الله - جل وعلا -، إن هذا هو جوهر التوحيد كما تعتقد أن الله لا شريك له في الخلق والرزق، كذلك لا شريك له في الهداية والإضلال والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة، فتنجذب إلى الله - عز وجل - بقلبك، وتتعلق به في كل حالاتك، هذا هو التوحيد، واسمه توحيد أي أن الله هو الواحد في قلبك - جل وعلا -.

عباد الله: وإن أهل التوحيد حقًا الذين بلغوا الحقيقة والجوهر واللب، أعلى نموذج بشري قُدم لنا، كأن التوحيد قد تجسم في أشخاصهم، هم الأنبياء - عليهم السلام -، ثم في المرتبة الثانية الصحابة - عليهم رضوان الله -، هذه النماذج البشرية قُدمت لنا حتى نقتدي بها، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، ما كان حديثًا يُفترى، إنه التوحيد، قدرك عند الله وفي جنان الله على قدر التوحيد في قلبك، إنما شُرعت الشرائع لأجل هذا التوحيد.

يا عباد الله: تأملوا قصص الأنبياء، وشدة تعلقهم بالله - عز وجل -، وانقطاع آمالهم من المخلوقين، وإذا سألوا الله شيئًا وهذا كثير عندهم، بل هو الأصل عندهم، إذا سألوا الله شيئًا لا يسألوه لأجل الدنيا، يسألونه لأجل الله - عز وجل -، ولأجل دينه.

موسى لما سأل من ربه أن يبعث معه أخاه هارون وزيرا قال: ﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [ طه/ 35]، وهو أفصح مني لسانًا فأرسله معي ردءا يصدقني، إنما أراد بسؤال ربه أن يبعث معه أخاه أمر الدين.

زكريا - عليه السلام - لما طلب من ربه الولد لم يرد ما يريد الناس من الولد، وإنما قال: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ والموالي: الأقارب، خافهم على ماذا؟ على الميراث؟ الأنبياء لا تورث، ما تركوه صدقة، خافهم على أمر الدين، وأن يبدلوا دينهم ويعبثوا في كتابهم، فسأل من ربه الولد﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم/ 6]، فوهب الله له يحيي، وأتاه الحكم صبيا، وأمره أن يأخذ الكتاب بقوة، وهكذا أنبياء الله كلهم إذا سألوا الله شيئًا فإنما يريدون بذلك وجه الله وإعزاز دين الله.

قال سليمان: " لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كل امرأة تلد غلامًا "، ماذا يريد به؟ "يجاهد في سبيل الله"- عز وجل -، يجاهد في سبيل الله - عز وجل -.

وقال محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الفرقان، يوم بدر، يوم الكرب، يوم العريش: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بالأرض "، إنما همه أن يُعبد ربه في الأرض وأن يظهر التوحيد، وإلا خلاف هذا الهدف فإنه ولو هلكت، "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بالأرض".

عباد الله: هؤلاء أنبياء الله، تعلق تام بربهم واعتقاد أن كل شيء بيده، وعمل كل شيء له، من أراد أن يتعلم التوحيد فليتدبر أقوالهم حتى في الهداية والإضلال وهم أنبياء لا يأمنون الفتنة، لا يأمنون أن يُسلب منهم دينهم.

يقول إبراهيم شيخ الموحدين إبراهيم الخليل - عليه السلام -: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ﴾ وصدق إبراهيم، وجه وجهه وقلبه وجميع جوارحه، ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ﴾ ثم عند هذه النقطة وقف ﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ﴾ ثم استثنى، التسليم التام لله مقلب القلوب قال: ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾ إن شاء ربي إضلالي فهو ربي ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ إن إضلاله وهدايته مبنية على علمه وحكمته، وقد يعلم مني أشياء لا أستحق بها الهداية ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾[الأنعام/80].

وقال شعيب: نفس هذه الكلمة ﴿قَالَ لهْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ، قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا﴾ ثم وقف فقال: ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا﴾، حتى في الثبات والبقاء على الحق، ﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا،رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف/89].

عباد الله: وهذه قصص سردها الله في تنفيس الكربات وإغاثة اللهفات لخيرة أوليائه الأنبياء وفيها تعلقهم بالله، وقيامهم بأمر الله، إنهم والله هم أهل التوحيد حقا، قال الله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ﴾ [ الأنبياء/ 48 ]، الأنبياء لا تأتي بالعلم فحسب، تأتي بالفرقان، يفرق بين الحق والباطل، تأتي بالبينات، الفرقان وضياءًا وذكرى للمتقين، والبقية حجة عليهم، وعلى قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذنهم وقرا.

عباد الله: هل تريد أن تعرف هل أنت من المتقين الذين قال الله فيهم ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة/27]، اعرض نفسك على هذه الآية وقيم نفسك بنفسك، قال الله: ﴿وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ في السر، في السرائر، فيما بينه وبين الله يخشى الله، ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) ﴾ [الأنبياء/49]، الإشفاق هو أعلى الخوف يكون معه احتراق وهم وخوف ووجل، الإشفاق أعلى درجات الخوف، فهؤلاء من الساعة مشفقون، فهل نحن كذلك؟ وهذا كتاب أنزلناه مبارك أفأنتم له منكرون؟

الثانية: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)﴾[الأنبياء/51] ، ربط الهداية والضلال بالقدر، وربط القدر بعلم الله وحكمته وبذلك تنفتح الأمور، ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ ، و ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ ﴾ ؟، شاب أمام أمة، ما الذي أعطاه القوة، الجرأة، الصدع، الصبر؟ إنه التوحيد، اليقين أنهم كلهم في قبضة الله، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، وإلا في المعايير البشرية: شاب أعزل ضعيف أمام أمة معهم النمرود ومعهم والده ثم يستهزأ بهم، ما قال آلهتكم، ما هذه التماثيل؟ تضعون من خشب تماثيل وتعبدونها؟، ثم لما استهزأ بالمعبود استهزأ بالعابد، قال: ﴿ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ ، ليلًا ونهارًا أمام هذه الأخشاب والأحجار، ألا تستحون؟، ﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ ،

عباد الله، أهل التوحيد: الصنم الأكبر، الطاغوت الأكبر، تعظيم الرجال بغير حق، هذا الذي أضل الأمم كلها، فكونوا منه على بال، خذوا منه عبرة، وجدنا آباءنا لها عابدين، فقال هذا الشاب الموحد التقي الصالح: لقد كنتم أنتم وآباؤكم الأموات والأجيال التي سبقتكم في ضلال مبين، بين واضح كالشمس، لا يخفى إلا على العُميان،﴿ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾، لما تكلم بجد أخذوه بجد، ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴾ ؟، اتعودون على أهل اللعب، ومن أهل اللعب بعضهم من يدعو إلى التوحيد، الناس يرونهم من اللاعبين، لا يأخذونه بجد؛ لأنه متناقض، لا يستقيم على حال، ينهى عن الشرك ويوالي المشركين ولا يُكفرهم، أما هذا الموحد قالوا: أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين؟ ﴿ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾

ثم قال بينه وبين نفسه بصوت ضعيف سمعه من سمعه، ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾، غضب لله، لم يتحمل - عليه السلام - رؤية هذه الأخشاب والأحجار والأضرحة تُعبد من دون الله وهانت عليه نفسه بذات الله، ما هو آخر احتمال؟ أن يُقتل؟ فليُقتل في سبيل الله، لعل الله أن يحيي به أقوامًا يعودون إلى التوحيد، ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ ﴾، يقين شجاعة وجرأة وصبر وقوة، كلها أساسها التعلق بالله وانقطاع الآمال والخوف من المخلوقين، ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)﴾ ، قالوا من فعل هذا بآلهتنا؟ كانوا قد وضعوا الطعام أمام الآلهة لتحل فيه البركة وذهبوا إلى عيدهم ثم يرجعون إلى طعامهم ليأكلوه، فلما رجعوا فإذا هذا المنظر المروع لهم، الآلهة كلها جذاذًا إلا الطاغية الأكبر بقي والفأس في يده، ﴿ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ، هم والله الظالمون، ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ يعيبهم، وهم بذكر الرحمن هم كافرون، ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾، ﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ أهل الباطل يحبون الفضائح، يحبون التشهير كما فعلوا بموسى والسحرة، أرادوا يوم الزينة وأن يُحشر الناس ضحى، وهؤلاء أرادوا أن يجتمع الناس كلهم، وإنما جمعوهم على فضيحتهم، يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، ﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) ﴾ ، أتوا بهذا الفتى الصادق الموحد الصابر الصادع، ﴿ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ ، كذبة في ذات الله، هذا الكبير غضب أن تُعبد معه الصغار فأخذ الفأس وكسره، هذا هو التصرف المعقول منه، ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ ، إنه يحرك العقول لو كانت تتحرك، ولكن من يريد الله إضلاله فالله أعلم به، لا يستحق الهداية، فاسألوهم إن كانوا ينطقون، ﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)﴾ ، لما تسألوهم أولًا﴿، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ ﴾ ، إذا أراد الإنسان الباطل بعد ما تبين له الحق، أرأيتم إنسانًا رأسه تحت وقدماه فوق؟ أبشع صورة بشرية، كذلك هو في الحقيقة يمشي على رأسه ورجله فوق؛ لأنه أراد الباطل وترك الحق، مثَّل الله هذه الصورة البشرية لكل من أراد الباطل بعد ما تبين له الحق، ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)﴾ ، فاستقامت الحجة لإبراهيم، ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) ﴾ ؟ بل لم ينفع نفسه، ثم تقذر منهم ومن آلهتم فقال: ﴿ أُفٍّ لَكُمْ ﴾ ، (أُف) تُقال للتقذر والتضجر، ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) ﴾ ؟ أين العقول، أين العقول؟ انقطعت كل حججهم وشعروا بالفضيحة وبالإهانة، ولكن لجئوا إلى الوسيلة الأخيرة التي عند أهل الباطل، محاولة إحراق هذا الرجل، إحراق سمعته، إحراق ذكره حتى نبقى على ما نحن عليه، ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)﴾ ، جمعوا حطبا عظيمًا ومكثوا أيامًا وأشهر يجمعون الحطب، ووضعوا المنجنيق وإبراهيم صابر، موقن، متعلق بالله، لم يهرب، لم يخف، لم يتنازل، لم يبحث عن الحكمة المزعومة هذه الأيام، ينتظر أمر الله؛ لأنه موقن في قرارة قلبه أن الله لا يخذل أولياءه، أن الله شكور، لم يتعرف إلينا أنه يخذل أولياءه، أو يتركهم، فلما ألقوه في النار قال الله: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ ﴾ ، لم يرسل الله لها واسطة؛ لأن إبراهيم لم يجعل بينه وبين ربه واسطة ولا جبريل، فكلم الله النار﴿، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾ على الكبر وامرأته عاقر، هذا ربنا الشكور، ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾ ، هذا ربنا الشكور، ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)﴾ .

لو شرحنا التوحيد أيام طوال ومجلدات ضخامًا لم نشرحه بمثل هذه الصور،

﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ﴾ نجاه الله بعد الكرب العظيم، بعد أن قال: أليس منكم رجل رشيد؟ ثم قال: لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد، فأوحى الله إليه أن يسري من الليل بأهله ولا يلتفت، لا يلتفت إليهم، وإن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟ نجاه الله من الكرب لأنه تعلق بالله، ووحد الله، وصبر على أمر الله حتى أتاهم العذاب، ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث، ظن ما تظن، ظن شر بهم، الخبائث كلها كانوا يعملونها، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)﴾ ،

﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ ﴾ ، نادى ربه ألف سنة إلا خمسين عاما، لم يتعب، لا يمل، لا يكل، يستغيث بربه ويصبر على أمر الله، ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم أتاه الفرج من هذا الكرب العظيم، إنهم هم أهل التوحيد حقا، ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ﴾ هذه النجاة وهذا الصبر كان نصرًا من الله، ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)﴾ ، لما قال الله له اصنع الفلك وهو في بلاد ليس فيها بحار لم يقل لماذا، استجاب وانقاد، قال له احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك، استجاب، يقين وتصديق لربه وإيمان به، ثم النجاة بعد ذلك.

وداود، داود قد أصابه كرب عظيم، قال الله: وكان هو من أصحاب طالوت ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ وأولهم داود - عليه السلام -: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ ، وأصابه كرب في قصة الخصمين.

وسليمان أيضًا أصابه كرب قال الله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) ﴾ ، يصيبهم الكرب ثم الفرج، وأتى الله داود وسليمان ما قص لنا، وكانوا مثال للغني المُمَكن الشاكر الموحد حتى في أثناء النعمة، ثم انتقل الله لعبد آخر صابر، وعقب الصابر بشاكر هنا وفي سورة (ص)، وفي أماكن أخرى.

إن التوحيد على ما قدر الله لك، ففي الوضع الذي أنت فيه، إن كنت مبتلى وإن كنت منعم فالتوحيد فرضك.

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ﴾ ، نادى ربه بعد سنين طويلة من فقد الأولاد وفقد الزوجات وفقد الأموال وفقد الصحة، السقم في بدنه، لم يبقى معه أحد، ويُقال فيما يُروى أنه لم يسأل ربه إلا بعد أن جُرح في إيمانه، والجرح المعنوي أشد ألمًا من الحسي، مر به قوم فقالوا: إن لهذا الرجل سرائر خبيثة، وإلا لم يعذبه الله كل هذا العذاب، والصادق يتألم من ذلك، فعند ذلك قال: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾ ، أعظم الضر هذا الكلام ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) ﴾، لم يشك، لم يجزع، لم يقنط، لم يضجر، سنوات طويلة فقد أهله كلهم وأولاده وأمواله وصحته وجسده، لم يبقى إلا عيناه وقلبه ولسانه، والباقي أمراض، ومع ذلك يقول: إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى ﴾ لمن؟ ﴿ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ .

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ أبوكم معشر العرب ﴿ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)﴾، صابرين على أمر الله، على إبلاغ دين الله، على نعم الله، على أقدار الله، عن معاصي الله، على طاعة الله، وصفهم الله بأعظم صفة، ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86).﴾

﴿ وَذَا النُّونِ ﴾ يونس - عليه السلام - ﴿ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ، في الظلمات، في جوف الحوت في أعماق البحار، سجد هناك سجدة في مكان لم يسجده مخلوق قط، سجد لله، فنادى في الظلمات﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

أهل التوحيد هذه العبرة لهم، النجاة والفرج والتمكين والعاقبة لو فعلوا مثل هؤلاء الموحدين.

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ ، ثم قال الله عن أهل التوحيد حقًا: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)﴾ ، هذا هو التوحيد، إنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين،

﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)﴾

ثم خاطبنا الله، أهل التوحيد إلى قيام الساعة، فقال الله: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ هؤلاء أسلافكم، هذا نسبكم، هؤلاء آباؤكم حقًا، إن هذه أمتكم﴿ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾ .

هذا هو التوحيد، إتباع هؤلاء وإخلاص الله بالتوحيد والعبادة وشدة التعلق به واليأس بالمخلوقين إلا فعل الأسباب والقلب متعلق بالله، لكن هذه الأجيال لم تفعل ذلك إلا القلة.

قال الله: ﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أخذتهم السبل والطرق وتركوا هذه الأمة الصالحة أن يتبعوها، وتقطعوا أمرهم بينهم، فقال الله مهددًا لهم: ﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)﴾ ، كلهم سيرجعون إلى الله ويرون المصير،﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)﴾ .

﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ ، لا يرجعون إلى الإيمان، وإذا أُهلكوا لا يرجعون إلى الدنيا.

فيا أهل التوحيد تدبروا والله ما قصها الله للتسلية، ولكن ليكونوا أسلاف لنا لنرتقي في هذا التعلق، فإن الناس بعدهم مستقل ومستكبر، وأحيانًا يُوهم العبد نفسه أنه متعلق بالله، فإذا أصابه كرب أو مرض خطير أو شيء أو فقر أو خسائر خرج الأمر على حقيقته، فزيدوا في التعلق بالله، وتوحيد الله تفلحوا ويعلو مقامكم في الدنيا والآخرة.

اللهم اجعلهم سلفًا لنا، واجعلنا على آثرهم يا رب العالمين، اللهم ألزمنا طريقتهم، اللهم ألزمنا طريقتهم، اللهم ألزمنا طريقتهم، اللهم احشرنا في زمرتهم، اللهم أحينا وأمتنا على ما ماتوا عليه، اللهم لا تفتنا فيمن فُتن، ولا تمكر بنا فيمن مُكر به، اللهم ألزمنا فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

--------------

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.

أهل التوحيد: ختم الله هذه السورة العظيمة بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ﴾، ربط الهداية بالقدر، وربط القدر بعلم الله في عباده، وحكمته يوم يضع الشيء موضعه، إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ﴿ أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)﴾ ، عن النار، ﴿ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)﴾ ، ألا تريدون هذه العاقبة؟ لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلاقهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون

فإعملوا عباد الله، ووحدوا الله، واصدقوا مع الله، وعاهدوه في هذه الأيام بقلوبكم أن تصدقوا معه، وأن تريدوا الآخرة، فإن العبد إذا أراد الآخرة انفتحت له أبواب التوفيق،﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ .

ثم جاءت سنة في هذه السورة المليئة بالحقائق والسنن، ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون، والتمكين في الدنيا، ﴿ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ ، وهذه رسالة السورة كلها، أنما إلهكم إله واحد، إذا كنتم توقنون أنه الواحد في الخلق والرزق فأيقنوا ووحدوه في كل شيء، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ؟ يسألكم ربكم: فهل أنتم مسلمون؟ مستسلمون؟ منقادون لهذا الإله الواحد؟ بريؤون من الشرك وأهله؟ فهل أنتم مسلمون؟ ثم قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾ [ الأنبياء/ 109]، الدعوة ليست فيها كثرة كلام، صدع وإخبار، ﴿ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء/ 109]، الموت متى يأتي كل واحد منا؟ لا ندري، وهذا الحق أمامه، والتوفيق من عند الله، ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء/ 112]، المستعان على ما وصفوا به ربهم، هؤلاء الضُلال من المشركين والمبتدعة والمنافقين، ربنا المستعان عليهم على ما يصفون، لم يصفوه بأنه الواحد، حرفوا كل شيء، والله المستعان عليهم.

فيا عباد الله: هذا السبيل قد وضح، وهذه الأعلام، وهذه الأمم قد سبقتكم والأنبياء، فمن أراد الخير فليلزم هذا، وقال عثمان رضي الله عنه:" لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم"، إن الذي لا يقرأ القرآن كثيرًا ويتدبره في هذه الأيام خاصة قلبه ليس بطاهر، لم يطهر، والله والله كما قال عثمان: " لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا "، إن العيب ليس في كلام الله، يوم نبحث عن غيره، إن العيب في قلوبنا.

فيا عباد الله اسعوا في تطهيرها، فإذا لم تجد قلبك عند قراء القرآن فاعلم أنه قد عطب أو أنه مريض فاستنقذه من الهلاك، إذا لم تجد قلبك عند قراءة القرآن وما فيه من العجائب.

يا عباد الله هذا شهر القرآن وقد ولى، هذا شهر الصيام، شهر القيام، شهر الاعتكاف لمن وفقه الله إليه، فإن الاعتكاف من أعظم ما يعين على التعلق بالله وترك التعلق بالبشر والمخلوقين، الانقطاع إلى الله في بيت من بيوته، والاعتكاف على عباداته هذا ينمي التوحيد ويعززه ويقويه لمن وفقه الله إليه، فإن لم يستطع ولو أن يعتكف الليالي أو بعضها، " فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رخص لعمر أن يعتكف ليلة "، فأدنى الاعتكاف ليلة من الغروب إلى الفجر، فاسعوا عباد الله وبادروا فإنه عما قليل ستنقضي هذه المواسم فيها الخاسر وفيها الرابح.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم اقبل منا ما مضى ووفقنا فيما بقي، واجعلنا من خيرة عبادك الصالحين، اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك، اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفو عنا، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وقلوب سليمة وألسن صادقة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، إنك أنت علّام الغيوب، اللهم هب لنا قلوب سليمة وألسن صادقة وأنفس زكية وأخلاق حسنة وهمم عالية وعلم نافع وعمل صالح ومطعمًا حلالًا ورزق طيبا ودعوة مجابة وذرية طيبة ونية صالحة وتوبة قبل الموت وراحة بعد الموت وتخلص من حقوق العباد، اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد
435347 435347
522794