بسم الله الرحمن الرحيم
وصف المادة
عنوان الخطبة أخذ الدين بقوة
التصنيف توحيد ومنهج
تاريخ الإضافة 02-06-1429 هـ
رابط الاستماع http://www.alamralawal.com/include/khotbapopup.php?id=101

________________________________________
الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادِي له.
وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
ثم اعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وأن كل بدعة ضلالة.
أيها الإخوة في الله، أيها المسلمون: إن هذا الدين لا يفلح فيه إلا من أخذه بجد وأخذه بقوة وقدمه دون دنياه وقدم ماله ونفسه دون دينه وإذا أراد الدين شيئا وعارضته الدنيا أضر بكثير من دنياه أو بها كلها لأجل دينه.

وإن الناس على قسمين:
- فمنهم: من يأخذ الدين بجد وبقوة وبمسؤولية وبإقبال وبتضحية وهو الأقلون في الدنيا وهو الأكثرون الأعزون عند الله - عز وجل -.
- ومنهم: من يأخذ من الدين ما خف عليه ولم يخالف هواه ولم يضر بدنياه وما سوى ذلك فإنه تاركه لا محالة، فهذا لا يفلح ولا ينفع الله به أبدا.
قال الله - - عز وجل - -: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ أي: لأجل الدين تقاتلون وتتركون الوطن ﴿ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ وهم الغرباء الصادقون في الإقبال على الدين ﴿ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ تأملوا إخوتي في ثواب من أخذ الدين بجد وبإقبال وبقوة قال الله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ أي في الدنيا والآخرة ﴿ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)﴾ هذا ثبات ألا يرتد وألا يفتن ﴿ وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ وهؤلاء الذين يعدهم الله هم الصادقون الذين أخذوا الدين بقوة ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ﴾ [النساء/70].
وقال الله يبين أن هذا الأمر ليس أمرا سهلا وإنما هو جنة ونار ورضوان الله أو غضبه، قال الله وتدبروا كلام الله تفلحوا: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة/14] هؤلاء قوم فاسقون إذا كانت هذه الأمور أحب إليهم ولن يهدوا: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
وقال الله: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة/22].
يا عباد الله: أخذ بنو إسرائيل الدين بضعف وبهوى، ما خف عليهم أخذوه وما ثقل عليهم وعارض أهواءهم وهم يريدون الدنيا وتقليد الناس والانغماس في الملذات تركوه فهددهم الله ورفع جبل الطور فوق رءوسهم وهددهم أن يأخذوا الدين بقوة وإلا أسقط الجبل عليهم: ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا ﴾ أي أيقنوا ﴿ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف/171]، إن الله لا يحب من عباده إلا من أخذ الدين بقوة وأقبل على الله - عز وجل - وأما من كان رجل في الدنيا ورجل في الآخرة يريد الآخرة بشرط ألا يخسر من الدنيا شيئا، فهذا من القوم الفاسقين الذين لا يهديهم الله - عز وجل -.
وإنك إن تدبرت أحوال كثير من الناس وجدت أن سبب كتمانهم للحق ولبسهم الحق بالباطل وتقليدهم للناس وضعف الديانة عندهم أنهم لا يريدون أن يخسروا من دنياهم شيئا، يظنون أن الدنيا والآخرة ستجتمع كلها بحذافيرها لا يخسر العبد منها شيئا، والله إنهما ضرتان، والله إن الجنة قد حُفت بالمكاره.
يا عباد الله: أسلم قوم من قريش مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لم يأخذوا الدين بقوة، ضحى أصحابهم وتركوا أقاربهم وهجروهم وتبرءوا منهم وتركوا أوطانهم، وهؤلاء يريدون الإسلام بشرط ألا نخسر أقاربنا ولا عشائرنا ولا أوطاننا ولا نخسر من دنيانا شيئا، هاجر المسلمون ولم يهاجروا، عُذب المسلمون ولم يحصل لهم شيء، تبرأ المسلمون من أقوامهم ولم يفعلوا، عُرضت عليهم الفتن ففتنوا، ومنهم من خرج مع قريش يوم بدر مجاملة، وصل بهم الأمر في المداهنة والمجاملة أن يخرجوا مع المشركين ضد المسلمين وأصابتهم سهام المسلمين وقتلوا، فحزن إخوانهم المسلمون، حزن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: قتلنا إخواننا، وهذا يدل أنهم لم يظهروا شركا، ولكنهم لم يتبرءوا من المشركين، قال أصحاب محمد: قتلنا إخواننا، ظنوا أن عليهم معرة وإثما في قتلهم فقال الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ أليس الدين أغلى من الوطن؟ وأغلى من التراب ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء/97]، تأملوا خطورة هذا الأمر، من لم يترك الوطن إذا حان تركه ويهاجر لله ويضحي في سبيل الدين بكل غالي ونفيس هذا جزاءه ﴿ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء/97] ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء/99] إن ترك الوطن واجب إذا لم تقم دينك، ومعنى إظهار الدين في كل وطن بحسبه، فإن كان الوطن وطن يهود أو نصارى فإظهار الدين أن تظهر دينك كما يريد الله لا كما يريدون هم، أن تظهر التوحيد والصلاة وأمور دينك وشعائرك دون مضايقات وإلا وجب عليك أن تخرج، وإن كان البلاد بلاد شرك وبدع وإن كانوا يظهرون الإسلام فليس إظهار الدين إظهار الشهادتين والصلاة لأن هذا يوافقونك فيه ولكن إظهار الدين إظهار ما تخالفهم فيه، إظهار التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة فإن لم تستطع فاخرج فاخرج من ديارك، قدم نفسك ومالك ووطنك دون دينك.
عباد الله: ها هنا وقفة ذكرها أهل العلم وهي في غاية الخطورة، وهي أنه إذا كان الله أوجب على المواطن أن يخرج من وطنه إذا خشي الفتنة، أفتظنون أن الشريعة تبيح لصاحب التوحيد أن يسافر إلى بلد الشرك دون ضرورة؟ إذا كان المواطن يخرج من وطنه فكيف بالموحد الذي يدعي التوحيد ويخرج من وطنه إلى بلاد الشرك أو بلاد الكفر لا لضرورة؟ ولكن لسياحة ولتقليد الناس ولابتعاث غير ضروري ولدعاوى إنما تدور حول الدنيا، أفهذا ممن يحبه الله ويرضاه؟
إذا كان الله توعد المواطن الذي لا يخرج من وطنه إذا كان وطنه وطن شرك بجهنم فما بالك بمن يترك بلد التوحيد ويذهب إلى بلاد الشرك يعرض نفسه للفتن؟ وهذا من أحسن الاستدلال والاستنباط، نبه عليه كثير من العلماء.
في أن الأصل حرمة السفر إلى بلاد الكفر إلا لضرورة كعلاج ونحوه ولا يوجد ببلادهم، وممن نبه إلى هذا الاستنباط سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وكان علماؤنا كلهم يقولون بهذا أن السفر إلى بلاد الشرك وبلاد الكفر فتنة من أعظم الفتن، لا يعرض المسلم نفسه لها إلا إذا كان مضطرا ومتعلق بالله هذا حري أن يسلم، وأما من ذهب يخاطر بدينه فأين هو وأين السلامة.
يا عباد الله: يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريء ممن يقيم بين ظهراني المشركين)) إقامة مؤقتة أو إقامة دائمة، إن هذا سيستسهل ما هم عليه وسيزين لهم الشيطان أمورهم وسيميل إليهم ويتشبه بهم، إن المسلم مفاصل ﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [الكافرون/5] إن المسلم يهجر القريب والبعيد والوطن والمال والنفس يبذلها لأجل الدين هذا من كان موحدا صادقا.
فيا عباد الله: أتاكم هذا الموسم موسم السفر إلى الفتن، موسم السفر إلى رؤية الكنائس والخمارات وبيوت الدعارة والمتساهلين بالدين، موسم الذين يأخذون أولادهم وبناتهم ليرونهم الكفر والفتن والشرك ويضرب عقد الإسلام في قلوبهم ثم يردوهم بوجوه غير الوجوه التي ذهبوا بها، فأما المؤمن الصادق فله شأن وللناس شأن، أما المؤمن الصادق هو الفرَّار بدينه من الفتن وإن ثقل عليه الأمر وإن خالف الناس فإن أمامه جنة عرضها السماوات والأرض فيها الراحة التي لا تعب بعدها وفيها السرور الذي لا هم بعده فليصبر أياما قلائل.
فيا عباد الله: خلاصة الأمر: من أراد الله وأراد رضوان الله فليأخذ دينه بجد وبقوة وإذا تعارض عنده دين ودنيا فليضع الدنيا تحت قدميه ولا يخف من فوات دنياه أو شهرته أو أتباعه أو جاهه أو صحبته أو أقاربه لا يخاف من ذلك فإن الله سيبدله خير من ذلك سرور في قلبه لا يعدله سرور تشبها بخيرة عباد الله الصالحين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء/68].
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من هؤلاء القليل، اللهم اجعلنا من هؤلاء القليل الذين يفعلون ما تعظهم به ويصبرون على دينهم ويقبضون عليه كالقبض على الجمر ولا يعرضونه للفتن ولا يذهبون إلى مواطن الفتن يا رب العالمين، اللهم نور بصائرنا وافتح على قلوبنا واربط عليها يا رب العالمين، اللهم ارزقنا الفرح والروح والسرور والرضا عنك وحسن الظن بك والثبات على الصراط المستقيم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أنت حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين.