منتدى جماعة أنصار السنة ببورسعيد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى إسلامي على مذهب أهل السنة والجماعة
 
الرئيسيةصفحه1أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Flag Counter
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» مطوية (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ)
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالثلاثاء أبريل 27, 2021 4:52 pm من طرف عزمي ابراهيم عزيز

» مطوية (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالخميس يونيو 25, 2020 9:17 am من طرف عزمي ابراهيم عزيز

» مطوية (ذَلِكَ رَبُّ العالمين)
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالثلاثاء يونيو 23, 2020 12:47 pm من طرف عزمي ابراهيم عزيز

» مطوية (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالثلاثاء يونيو 23, 2020 8:24 am من طرف عزمي ابراهيم عزيز

»  كتاب . * غاية المريد في علم التجويد * المؤلف / عطية قابل نصر .
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالأحد مايو 07, 2017 10:16 pm من طرف إبراهيم باشا

» ** كن متفائلًا **
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالسبت مايو 06, 2017 9:06 pm من طرف إبراهيم باشا

» * ما تعريف التوحيد ؟ وما أنواعه ؟ * لفضيلة الشيخ / ابن عثيمين .
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالثلاثاء مايو 02, 2017 9:47 pm من طرف إبراهيم باشا

» * ماذا تفعل المرأة إذا طهرت بعد الفجر مباشرة ، هل تمسك وتصوم هذا اليوم ؟ * لفضيلة الشيخ / ابن عثيمين .
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالأحد أبريل 23, 2017 10:28 pm من طرف إبراهيم باشا

» نحو خطوات فاعلة للداعية المسلمة .
 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالسبت أبريل 22, 2017 9:58 pm من طرف إبراهيم باشا


 

  شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 2 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
إبراهيم باشا
Admin
إبراهيم باشا


عدد المساهمات : 703
تاريخ التسجيل : 23/02/2013
الموقع : http://www.ansarsonna.com

 شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Empty
مُساهمةموضوع: شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 2 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين    شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة  ( جـزء 2 )  شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين Emptyالإثنين ديسمبر 29, 2014 7:52 pm






شرح أحاديث رياض الصالحين
باب التَّـــوبــة ( جـزء 2 )

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين






تصحيح لُغَوي و تنسيق مقالٍ / إبراهيم باشا



15- وعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري- خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم _ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم؛ سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة ))

أخرجه البخاري، ومسلم .


وفي رواية لمسلم: (( لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها،وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ،فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح )).


الشرح

قوله- رحمه الله - (( خادم النبي صلى الله عليه وسلم )) وذلك أن أنسًا - رضي الله عنه - حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتت به أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: هذا أنس ابن مالك يخدمك، فَقَبِلَ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وصار أنس من خُدَّام النبي صلى الله عليه وسلم .


ذكر أنس- رضي الله عنه- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( لله أشد فرحًا بتوبة عبده إذا تاب إليه )) من هذا الرجل الذي سقط على راحلته بعد أن أضلَّها، وذكر القصة: رجل كان في أرض فلاة، ليس حوله أحد، لا ماء ولا طعام ولا أناس ..

ضلَّ بعيره: أي ضاع، فجعل يطلبه فلم يجده، فذهب إلى شجرة ونام تحتها ينتظر الموت!

قد أيسَ من بعيره، وأيس من حياته؛ لأن طعامه وشرابه على بعيره، والبعير قد ضاع،

فبينما هو كذلك إذا بناقته عنده قد تعلَّق خطامها بالشجرة التي هو نائم تحتها. فبأي شيء يقدَّر هذا الفرح؟

هذا الفرح لا يمكن أن يتصوره أحد إلا من وقع في مثل هذه الحال!! لأنه فرح عظيم،

فرح بالحياة بعد الموت، ولهذا أخذ بالخطام فقال: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك))!!

أراد أن يُثني على الله فيقول: ((اللهم أنت ربي وأنا عبدك)) لكن من شدة فرحه أخطأ ..فقَلَبَ القضية.. وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك.


في هذا الحديث من الفوائد:

دليل على فرح الله - عز وجل- بالتوبة من عبده إذا تاب إليه،


وأنَّه يحب ذلك- سبحانه وتعالى- محبة عظيمة، ولكن لا لأجل حاجته إلى أعمالنا وتوبتنا؛ فالله غنيٌّ عنا، ولكن لمحبته سبحانه للكرم؛
فإنه يحب - سبحانه وتعالى أن يعفو وأن يغفر، أحب إليه من أن ينتقم ويؤاخذ .
ولهذا يفرح بتوبة الإنسان .


ففي هذا الحديث حث على التوبة ؛ لأن الله يُحبها، وهي من مصلحة العبد.


وفيه: إثبات الفرح لله عز وجل، فهو- سبحانه وتعالى- يفرح، ويغضب ، ويكره ويحب، لكن هذه الصفات ليست كصفاتنا ؛ لأن الله يقول:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] ،

بل هو فرح يليق بعظمته وجلاله ولا يشبه فرح المخلوقين.


وفيه: دليل على أن الإنسان إذا أخطأ في قول من الأقوال ولو كان كفرًا سبق لسانه إليه؛ فإنه لا يؤاخذ به ،

فهذا الرجل قال كلمة كفر؛ لأن قول الإنسان لربه: أنت عبدي وأنا ربك هذا كفر لا شك، لكن لما صدر عن خطأ من شدة الفرح - أخطأ ولم يعرف أن يتكلم - صار غير مؤاخذٍ به،

فإذا أخطأ الإنسان في كلمة؛ كلمة كفر؛ فإنه لا يؤاخذ بها، وكذلك غيرها من الكلمات لو سبَّ أحدًا على وجه الخطأ بدون قصد، أو طلَّق زوجته على وجه الخطأ بدون قصد، أو أعتق عبده على وجه الخطأ بدون قصد،
فكل هذا لا يترتَّب عليه شيء؛ لأن الإنسان لم يقصده، فهو كاللغو في اليمين،

وقد قال الله تعالى: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾[البقرة:225]،

بخلاف المستهزئ فإن المستهزئ يكفر إذا قال كلمة الكفر، ولو كان مستهزئًا؛ لقول الله سبحانه: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾[التوبة:65،66]،

فالمستهزئ قصَدِ الكلام، وقصد معناه؛ لكن على سبيل السخرية والهزء؛ فلذلك كان كافرًا، بخلاف الإنسان الذي لم يقصده؛ فإنه لا يُعتبر قوله شيئًا.

وهذا من رحمة الله - عز وجل-
والله الموفق.

* * *


16- وعن أبي موسى عبد الله قيس الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ))

رواه مسلم.


17- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ))

رواه مسلم.


18- وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله - عز وجل - يقبل توبة العبد ما لم يُغرْغر )).

أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجه، والإمام أحمد في المسند ، وحسَّنه الألباني كما في صحيح الجامع .


الشرح

هذه الأحاديث الثلاثة التي ذكرها المؤلف - رحمه الله- كلها تتعلق بالتوبة.


أما حديث أبي موسى فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).

وهذا من كرمه- عز وجل- أنه يقبل التوبة حتى وإن تأخَّرت.

فإذا أذنب الإنسان ذنبًا في النهار، فإن الله- تعالى- يقبل توبته ولو تاب في الليل.

وكذلك إذا أذنب في الليل وتاب في النهار فإن الله-تعالى- يقبل توبته ،

بل إنه - تعالى- يبْسط يده حتى يتلقى هذه التوبة التي تصدر من عبده المؤمن .


وفي هذا الحديث: دليل على محبة الله- سبحانه وتعالى- للتوبة،

وقد سبق في الحديث السابق - في قصة الرجل الذي أضل راحلته حتى وجدها-: أن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب إليه أشد فرحًا من هذا براحلته.


ومن فوائد حديث أبي موسى: إثبات أن الله – تعالى - له يد، وهو كذلك، بل له يدان جلَّ وعلا-
كما قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:64]،

وهذه اليد التي أثبتها الله لنفسه- بل اليدان- يجب علينا أن نؤمن بهما؛ وأنهما ثابتتان لله.

ولكن لا يجوز أن نتوهم أنها مثل أيدينا؛ لأن الله يقول في كتابه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]،


وهكذا كل ما مر بك من صفات الله فأثبتها لله- عز وجل- لكن بدون أن تمثلها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته عز وجل.


وفي هذا الحديث: أن الله- سبحانه وتعالى- يقبل توبة العبد وإن تأخرت،

لكن المبادرة بالتوبة هي الواجب؛ لأن الإنسان لا يدري ، فقد يفجأه الموت فيموت قبل أن يتوب.
فالواجب المبادرة ، لكن مع ذلك، لو تأخَّرْتَ تاب الله على العبد.


وفي هذا الحديث: دليل على أن الشمس إذا طلعت من مغربها، انتهى قبول التوبة.

ولكن قد يسأل السائل ، يقول : هل الشمس تطلع من مغربها ؟
المعروف أن الشمس تطلع من المشرق؟!

فنقول : نعم هذا هو المعروف ، وهذا هو المطرد منذ خلق الله الشمس إلى يومنا هذا.

لكن في آخر الزمان يأمر الله الشمس أن ترجع من حيث جاءت فتنعكس الدورة، وتطلع من مغربها،

فإذا رآها الناس آمنوا كلهم، حتى الكفار اليهود، والنصارى، والبوذيون، والشيوعيون، وغيرهم؛ كلهم يؤمنون.

ولكن الذي لم يؤمن قبل أن تطلع الشمس من مغربها لا ينفعه إيمانه.

كل يتوب أيضًا، لكن الذي لم يتب قبل أن تطلع الشمس من مغربها لا تقبل توبته؛
لأن هذه آية يشهدها كل أحد، وإذا جاءت الآيات المنذرة لم تنفع التوبة ولم ينفع الإيمان!


أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في أن الله -سبحانه وتعالى- يقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها فهو كحديث أبي موسى.


وأما حديث عبد الله بن عمر: (( إن الله يقبل توبة عبده ما لم يُغَرْغِر ))
أي: ما لم تصل الروح الحلقوم، فإذا وصلت الروح الحلقوم فلا توبة،


وقد بيَّنت النصوص الأخرى أنه إذا حضر الموت فلا توبة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن ﴾ [النساء: 18] .


فعليك يا أخي المسلم أن تبادر بالتوبة إلى الله - عز وجل- من الذنوب، وأن تقلع عما كنت مُتَلَّبسًا به من المعاصي، وأن تقوم بما فَّرطت به من الواجبات،
وتسأل الله قبول توبتك.
والله الموفق.

* * *


19- وعن زرِّ بن حُبيش قال: أتيت صفوان بن عسال - رضي الله عنه- أسأله عن المسح على الخفين، فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب،
فقلت: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئًا؟
قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرًا- أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم،
فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئًا؟
قال: نعم: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فبَيْنا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوًا من صوته: (( هاؤم ))
فقلت له: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نهيت عن هذا!!
فقال: والله لا أغضض .
قال الأعرابي : المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب يوم القيامة )
فما زال يحدِّثنا حتى ذكر بابًا من المغرب مسيرة عرضه – أو يسير الراكب في عرضه- أربعين؛ أو سبعين عامًا.

قال سفيان- أحد الرواة-: قبل الشام، خلقه الله - تعالى- يوم خلق السماوات والأرض مفتوحًا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه ))


أخرجه الترمذي ، وقال: حسن صحيح ، والإمام أحمد في المسند .

الشرح

هذا الحديث من أحاديث التوبة التي ساقها المؤلف -رحمه الله- في بيان متى تنقطع التوبة.

لكنه يشتمل على فوائد:

منها: أن زر بن حبيش أتى إلى صفوان بن عسال- رضي الله عنه- من أجل العلم- يبتغي العلم-
فقال له صفوان بن عسال: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب)).

وهذه فائدة عظيمة تدل على فضيلة العلم، وطلب العلم؛ والمراد به العلم الشرعي، أي: عِلمُ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

أما علم الدنيا فللدنيا،

لكن طلب العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فيه الثناء والمدح، والحث عليه في القرآن والسنة.

وهو نوع من الجهاد في سبيل الله ؛ لأن هذا الدين قام بأمرين:

قام بالعلم والبيان، وبالسلاح: بالسيف والسنان.


حتى إن بعض العلماء قال: (( إن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله بالسلاح )) ؛ لأن حفظ الشريعة إنما يكون بالعلم، والجهاد بالسلاح في سبيل الله مبني على العلم،
لا يَسيرُ المجاهد، ولا يُقاتل ، ولا يحجم، ولا يقسم الغنيمة، ولا يحكم بالأسرى؛ إلا عن طريق العلم، فالعِلمُ هو كل شيء.

ولهذا قال الله عز وجل: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة:11]،

وَوَضْعُ الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب واحترامًا له، وتعظيمًا له،

ولا يُرَدُّ على هذا أن يقول القائل: أنا لا أحس بذلك؟
لأنه إذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كالمشاهد عيانًا.

أرأيت قوله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا- تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له))

أخرجه البخاري، ومسلم .

نحن لا نسمع هذا الكلام من الله- عز وجل- لكن لما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم صار كأننا نسْمعه،

ولذلك يجب علينا أن نؤمن بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وبما صح عنه مما يذكر في أمور الغيب،
وأن نكون مُتَيقِّنين لها كأنما نشاهدها بأعيننا ونسمعها بآذاننا.


ثم ذكر زر بن حبيش لصفوان بن عسال أنه حك في صدره المسح على الخفين بعد البول والغائط.

يعني أن الله تعالى ذكر في القرآن قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:6] ،

فيقول إنه حك في صدري؛ أي: صار عندي توقف وشك في المسح على الخفين بعد البول أو الغائط هل هذا جائز أو لا ؟

فبيَّن له صفوان بن عسال- رضي الله عنه- أن ذلك جائز ؛

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا سفرًا أو مسافرين أن لا ينزعوا خِفَافهم إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم،

فدل هذا على جواز المسح على الخفين،

بل إنَّ المسح على الخفين أفضل إذا كان الإنسان لابسًا لهما.


وقد ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى المغيرة لينزع خفيه فقال: (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما ))

أخرجه مسلم .

ففي هذا دليل واضح على أن الإنسان الذي عليه جوارب، أو عليه خفان؛ أن الأفضل أن يمسح عليهما ولا يغسل رجليه.

ومنها: أنه ينبغي إذا أشكل على الإنسان شيء أن يسأل ويبحث عمَّن هو أعلم بهذا الشيء؛ حتى لا يبقى في قلبه حرج مما سمع؛

لأن بعض الناس يسمع الشيء من الأحكام الشرعية ويكون في نفسه حرج، ويبقى متشكِّكًا متردِّدًا، لا يسأل أحدًا يزيل عنه هذه الشبهة،

وهذا خطأ، بل الإنسان ينبغي له أن يسأل حتى يصل إلى أمر يطمئن إليه ولا يبقى عنده قلق.


فهذا زر بن حبيش- رحمه الله- سأل صفوان بن عسال- رضي الله عنه- عن المسح على الخفين؛ وهل عنده شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك،

فقال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرًا أو مسافرين ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم.

فهذا الحديث فيه دليل على ثبوت المسح على الخفين،

وقد تواترت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأخذ بهذا أهل السنة،

حتى إن بعض أهل العلم، الذين صنَّفوا في كتب العقائد، ذكروا المسح على الخفين في كتاب العقائد؛ وذلك لأن الرافضة خالفوا في ذلك؛ فلم يُثبِتوا المسح على الخفين وأنكروه،

والعجب أن ممن روى المسح على الخفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
ومع ذلك هم ينكرونه ولا يقولون به،

فكان المسح على الخفين من شعار أهل السنة ومن الأمور المتواترة عندهم؛ التي ليس عندهم فيها شك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


قال الإمام أحمد: (( ليس في قلبي من المسح شك ))، أو قال: (( شيء فيه أربعون حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ))


ولكن لابد من شروط لجواز المسح على الخفين:

الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة؛

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حينما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ، ومسح عليهما )).


ولا فرق بين أن تكون هذه الطهارة قد غسل فيها الرِِّجل، أو مسح فيها على خفٍّ سابق.

فمثلاً: لو توضأ وضوءًا كاملاً، وغسل رجليه، ثم لبس الجوارب؛ يعني الشرَّاب أو الخفين، فهنا لَبِسَهُما على طهارة.

كذلك لو كان قد لبس جوارب من قبل ومسح عليهما، ثم احتاج إلى زيادة جورب ولبسه على الجورب الأول الذي مسحه- وهو على طهارة-، فإنه يمسح على الثاني،

لكنْ يكون ابتداء المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني ؛

هذا هو القول الصحيح؛ أنه إذا لبس خفًّا على خف ممسوح فإنه يمسح على الأعلى، لكن يَبني على مُدة المسح على الأول.


ولابدَّ أن تكون الطهارة بالماء، فلو لبسهما على طهارة تيمُّمٍ فإنه لا يمسح عليهما؛

مثل رجل مسافر ليس معه ماء، فتيمَّم ولبس الخفين على طهارة تيمم، ثم بعد ذلك وجد الماء، وأراد أن يتوضأ،

ففي هذه الحال لابد أن يخلع الخفين ويغسل قدميه عند الوضوء، ولا يجوز المسح عليهما في هذه الحال؛ لأنه لم يلبسهما على طهارة غَسَلَ فيها الرجل،
فإن التيمم يتعلق بعضوين فقط؛ وهما الوجه والكفان.

الشرط الثاني: أن يكون المسح عليهما في الحدث الأصغر،

ولهذا قال صفوان بن عسال: (( إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم ))

فإذا صار على الإنسان جنابة؛ فإنه لا يجزئ أن يمسح على الجوربين أو الخفين، بل لابد من نزعهما وغسل القدمين؛

وذلك لأن الطهارة الكبرى ليس فيها مسح إلا للضرورة في الجبيرة،

ولهذا لا يمسح فيها الرأس، بل لابد من غسل الرأس - مع أنه في الحدث الأصغر يمسح؛

لكن الجنابة طهارتها أوكد وحدثها أكبر، فلابد من الغسل،
ولا يمسح فيها على الخف؛ لهذا الحديث،
ولأن المعنى والقياس يقتضي ذلك.

الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر،

كما صح ذلك أيضًا من حديث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- في صحيح مسلم قال: (( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم ))

أخرجه مسلم .

يعني: في المسح على الخفين:

فإذا انتهت المدة فلا مسح، لابد أن يخلع الجوربين أو الخفين، ثم يغسل القدمين،

ولكن إذا انتهت المدة وأنت على طهارة فاستمرَّ على طهارتك، لا تنتقضُ الطهارة، ولكن إذا أردت أن تتوضأ بعد انتهاء المدة فلابد من غسل القدمين.


ثم إن زر بن حبيش سأل صفوان بن عسال: هل سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الهوى شيئًا؟

الهوى: المحبة والميل،

فقال: نعم، ثم ذكر قصة الأعرابي الذي كان جهوري الصوت فجاء ينادي: يا محمد؛ بصوت مرتفع.
فقيل له: ويحك! أتنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع؟ والله - عز وجل- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:2] ،

ولكن الأعراب لا يعرفون الآداب كثيرًا؛ لأنهم بعيدون عن المدن وبعيدون عن العلم.

فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع كما سأل الأعرابي؛
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس هديًا، يعطي كل إنسان بقدر ما يتحمله عقله، فخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما خاطبه به،
قال له الأعرابي: (( المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ))
يعني: يحب القوم ولكن عمله دون عملهم؛ لا يساويهم في العمل،
مع من يكون؟ أيكون معهم أو لا ؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( المرء مع من أحب يوم القيامة ))

نعمة عظيمة - ولله الحمد-

وقد روى أنس بن مالك- رضي الله عنه- هذه القطعة من الحديث، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لرجل يحب الله ورسوله: (( إنك مع من أحببت ))
قال أنس: (( فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم ))

أخرجه البخاري ، ومسلم .


وهكذا أيضًا نحن نشهد الله - عز وجل- على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته، وأئمة الهدى من بعدهم، ونسأل الله أن يجعلنا معهم .


هذه بشرى للإنسان؛ أنه إذا أحب قومًا صار معهم وإن قَصُرَ به عمله؛ يكون معهم في الجنة ويجمعه الله معهم في الحشر، ويشربون من حوض الرسول صلى الله عليه وسلم جميعًا،

وهكذا.. كما أن من أحب الكفرة فإنه ربما يكون معهم _ والعياذ بالله- لأن محبة الكافرين حرام، بل قد تكون من كبائر الذنوب.

فالواجب على المسلم أن يكره الكفار، وأن يعلم أنهم أعداء له مهما أبدَوا من الصداقة والمودة والمحبة؛ فإنهم لن يتقربوا إليك إلا لمصلحة أنفسهم ومضرتك أيضًا،

أما أن يتقربوا إليك لمصلحتك فهذا شيء بعيد.

إن كان يمكن أن نجمع بين الماء والنار؛ فيمكن أن نجمع بين محبة الكفار لنا وعداوتهم لنا؛ لأن الله تعالى سمَّاهم أعداءً قال:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾[الممتحنة:1] ،

وقال عز وجل:﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:98] .

فكل كافر فإن الله عدوٌ له، وكل كافر فإنه عدوٌ لنا، وكل كافر فإنه لا يضمر لنا إلا الشر.


ولهذا يجب عليك أن تكره من قلبك كل كافر مهما كان جنسه، ومهما كان تقربه إليك فاعلم أنه عدوك.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: 1]،

إذن نأخذ من هذه قاعدة أصَّلها النبي - عليه الصلاة والسلام- ألا وهي: (( المرء مع من أحب ))

أخرجه البخاري، ومسلم .

فعليك يا أخي أن تشد قلبك على محبة الله تعالى، ورسوله، وخلفائه الراشدين، وصحابته الكرام، وأئمة الهدى من بعدهم لتكون معهم.

نسأل الله أن يحقِّقَ لنا ذلك بمنِّه وكَرَمِه.
والله الموفِّق.

* * *


20- وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري- رضي الله عنه- أن نبي الله صلى
الله عليه وسلم قال: (( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله - تعالى- فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حَكَمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فَقَبضتْهُ ملائكة الرحمة ))

أخرجه البخاري، ومسلم .

وفي رواية في الصحيح: (( فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبرٍ، فجعل من أهلها ))

وفي رواية في الصحيح : (( فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقرَّبي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبرٍ فغفر له )).

وفي رواية: (( فنأى بصدره نحوها )).

الشرح

نقل المؤلف- رحمه الله- عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم إنه ندم وسأل عن أعلم أهل الأرض يسأله: هل له من تَوْبَة؟ فدُلَّ على رجل، فإذا هو راهب -يعني عابدًا- ولكن ليس عنده علم، فلما سأله قال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟
فاستعظم الراهب هذا الذنب وقال: ليس لك توبة!
فغضب الرجل وانزعج وقتل الراهب؛ فأتم به مائة نفس،

ثم إنه سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال له: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم! ومن الذي يحول بينه وبين التوبة؟
باب التوبة مفتوح، ولكن اذهب إلى القرية الفلانيّة؛ فإن فيها قومًا يعبدون الله.

والأرض التي كان فيها كأنها- والله أعلم- دار كفر ، فأمره هذا العالم أن يهاجر بدينه إلى هذه القرية التي يعبد فيها الله- سبحانه وتعالى- ، فخرج تائبًا نادمًا مهاجرًا بدينه إلى الأرض التي فيها القوم الذين يعبدون الله عز وجل.

وفي مُنتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؛

لأن الكافر_ والعياذ بالله _تقبض روحه ملائكة العذاب، والمؤمن تقبض روحه ملائكة الرحمة، فاختصموا؛
ملائكة العذاب تقول:إنه لم يعمل خيرًا قط؛ أي:بعد توبته ما عمل خيرًا.

وملائكة الرحمة تقول: إنه تاب وجاء نادمًا تائبًا،

فحصل بينهما خصومة ، فبعث الله إليهم ملكًا ليحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أقرب فهو له؛
يعني فهو من أهلها.
إن كانت أرض الكفر أقرب إليه فملائكة العذاب تقبض روحه، وإن كان إلى بلد الإيمان أقرب فملائكة الرحمة تقبض روحه.

فقاسوا ما بينهما؛ فإذا البلد التي اتجه إليها- وهي بلد الإيمان -أقرب من البلد التي هاجر منها بنحو شبر - مسافة قريبة - فقبضته ملائكة الرحمة.


ففي هذا دليل على فوائد كثيرة :

منها: أن القاتل إذا قتل إنسانًا عمدًا ثم تاب فإن الله - تعالى- يقبل توبته،

ودليل ذلك في كتاب الله قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:48] ،

يعني ما دون الشرك، فإن الله تعالى يغفره إذا شاء.

وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم.

وذكر عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- أن القاتل ليس له توبة؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:93] .

ولكن ما ذهب إليه الجمهور هو الحق، وما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- فإنه يمكن أن يحمل على أنه ليس توبة بالنسبة للمقتول؛
وذلك لأن القاتل إذا قتل تعلق فيه ثلاثة حقوق:

الحق الأول: لله،
والثاني: للمقتول،
والثالث: لأولياء المقتول.

أما حق الله؛ فلا شك أن الله تعالى يغفره بالتوبة، لقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:53] .

ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان:68ـ70] .

وأما حق المقتول؛ فإن توبة القاتل لا تنفعه ولا تؤدي إليه حقه؛ لأنه مات، ولا يمكن الوصول إلى استحلاله، أو التبرؤ من دمه،

فهذا هو الذي يبقى مطالبًا به القاتل ولو تاب،

وإذا كان يوم القيامة فالله يفصل بينهما.

وأما حق أولياء المقتول، فإنها لا تصح توبة القاتل؛ حتى يسلِّم نفسه إلى أولياء المقتول، ويقر بالقتل، ويقول : أنا القاتل، وأنا بين أيديكم، إن شئتم اقتلوني وإن شئتم خذو الدية، وإن شئتم اسمحوا،

فإذا تاب إلى الله، وسلَّم نفسه لأولياء المقتول- يعني لورثته - فإن توبته تصح، وما بينه وبين المقتول يكون الحكم فيه إلى الله يوم القيامة.

* * *





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.ansarsonna.com
 
شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 2 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 3 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
»  شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 1 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
»  شرح أحاديث رياض الصالحين باب التَّـــوبــة ( جـزء 4 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
»  شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصَّـبْــر ( جـزء 2 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
» شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصَّـبْــر  ( جـزء 4 ) شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى جماعة أنصار السنة ببورسعيد :: العلوم الشرعية :: منتدى الأحاديث النبوية-
انتقل الى: