310454
الصلاة هي التوحيد

لفضيلة الشيخ
عبد الرحمـٰن الحجي

بسم الله الرحمـٰن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليما كثيرا.
عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)﴾[آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾[النساء:01].
﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾[الأحزاب:70-71].
واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واعلموا أن شر الأمور محدثاتها، وأن كل محدثة بدعة وأن كلّ بدعة ضلالة.
عباد الله، إخواني في الله، ما هو العمل الذي إذا أحسنه العبد وأتقنه وواظب عليه زاد توحيده وزاد إيمانه وصح إسلامه وتحقق من التوحيد وجرّده لرب العالمين؟ ما هو العمل الذي يطبق به التوحيد ويمارس به التوحيد؟ ما هو العمل الذي يتجلى به التوحيد مرارا تكرارا؟
إنه قرين كلمة التوحيد، هو الصلاة يا عباد الله.
والكلام في الصلاة كثير، والكلام في الصلاة عظيم، ونحن أحوج إليه من حاجتنا إلى الطعام والشراب؛ لأنها المنجية بإذن الله؛ ولأننا نغفل وننسى ونفرّط ونضيع صلواتنا ولا نحافظ عليها بمعنى لا نحافظ عليها من الضياع أن تضيع بسبب ضعف الطمأنينة أو الخشوع أو المواقيت أو الجماعة أو الطهارة، إذا كان الإسلام هو الكلمة -كلمة لا إلـٰه إلا الله محمد رسول الله-، وما يلزم عليها من مقتضيات ولوازم وأعمال، فإن ممارسة هـٰذه الكلمة وتحقيقها يكون في الصلاة.
ولذلك -أيها الإخوة- هـٰذان الأمران -كلمة التوحيد وفعل التوحيد وهو الصلاة- هما يدخلان العبد في الإسلام بمجرد الفعل، ويخرجان العبد من الإسلام بمجرد الترك، كل واحد منهما بمفرده، هما التوحيد في كاب الله، ولذلك سمى الله الصلاة إيمانا وتوحيدا، قال الله: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾[البقرة:143]؛ يعني توحيدكم، يعني صلاتهم لبيت المقدس.
ولذلك -أيها الإخوة- لم يفرض في مكة إلا التوحيد والصلاة، وباقي أركان الدِّين فُرضت في المدينة، ولا يخرج من الإسلام إلا ترك ما فرض بمكة وهو التوحيد والصلاة.
يا عباد الله، إنّ الصلاة ليست كغيرها من الأعمال، إن الصلاة هي التوحيد، إنّ الصلاة هي فعل التوحيد، إنّ الصلاة هي فعل التوحيد، إنّ الصلاة هي زيادة التوحيد وتأكيده، كل عمل فيها ولو كان يسيرا يشير إلى التوحيد.
قال بعض العلماء عن الحكمة في فرع اليدين عند تكبيرة الإحرام أنه إشارة إلى رفع الحجاب بينك وبين الرب عز وجل، وأنّ العبد إذا دخل في حرم الصلاة فهو بين يدي ربه، والله عز وجل ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يلتفت، فهـٰذا الرفع يدل على أنك في حضرة الواحد الأحد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأنه ينصب وجهه الجليل الكريم لوجهك وهو في السماء جل وعلا، ما لم تلتفت، وهـٰذا لا يكون أبدا إلا في الصلاة؛ لأنها التوحيد.
سئل الإمام أحمد عن الحكمة من وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، فقال: ذل بين يدي عزيز. إشارة إلى الذل وهو العبودية وهو التوحيد.
وكذلك الإشارة في الأصبع في الصلاة هي إشارة إلى التوحيد، وأن الله في السّماء، فأنت تشير بأصبعك إلى السّماء ثم تنكثها إلى الأرض تدعو بها تحركها.
وكذلك السلام، قال بعض العلماء: السّلام هو إشارة إلى أنّ العبد كان في حضرة ربه يناجيه ووجهه لوجه ربه، فإذا فرغ من ذلك سلم على من يمينه وعلى من يساره، إشارة إلى أنه حضر الآن.
أما أركان الصلاة الظاهرة فكلها توحيد في توحيد، وهـٰذا لا يكون إلا في الصلاة، القيام قيام عبادة لا يصلح إلا لله عز وجل، ولذلك قال –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((من أحب أن يتمثّل له الرجال قياما فلتبوأ مقعده من النار)) القيام عبادة لله عز وجل ﴿وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238)﴾[البقرة:238]، ولا تقوموا لأحد قيام تعظيم واحترام إلا لله عزّ وجل، وأما قيام السلام ونحو ذلك فلا بأس به، إنما هو قيام التعظيم، وفرق بين القيام له والقيام إليه، ثم أنظر ماذا في هـٰذا القيام فيه الذكر، وذكر الله في الصلاة أكبر من ذكر خارج الصلاة، فلذلك قال الله: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45]، ذكر الله فيها أعظم شيء وأكبر من كل شيء.
وفي القيام قراءة القرآن الذي هو توحيد وترسيخ التوحيد، وقراءة القرآن في الصلاة أكبر من قراءته خارج الصلاة ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾[المزمل:06]، ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9)﴾[الزمر:09]، وكل شيء يكون في هـٰذا القيام إنما هو لأجل التوحيد يا عباد الله.
ثم انظر إلى الركوع، الركوع نوع من السجود، ولذلك قال الله لبني إسرائيل: ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً﴾[البقرة:58]، مع أنهم ما أمورا بالسجود الاصطلاحي، وإنما أمروا بالانحناء والتّعظيم، قاتلهم الله لما حرّفوا، فالركوع نوع من السجود فأنت لا تركع إلا لله -عز وجل- وتستحضر هـٰذا بقلبك أن هـٰذه الحرمة لا تفعلها لأي مخلوق على وجه الأرض إلا لله عز وجل، أليس هـٰذا يؤكد التوحيد ويزيده لو كنت تستشعر هـٰذه المعاني؟ وإذا قمت بين يدي الله قيام العبادة والذل قد مسكت يديك إحداهما بالأخرى ورميت ببصرك إلى موضع سجودك وطأطأت رأسك تستشعر أن هـٰذه الحركة لا يستحقها أي بشر على وجه الأرض، ولا يستحقها أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلا عن ملوك الدنيا ومعظميها، لا يستحقها أحد؛ إنما هي حركة خاصة من العبد لربه عزّ وجل، يا له من توحيد يزداد ويرسخ بالصلاة، وإذا ركعت فهـٰذا أعظم تتشرف أنك لا تفعل هـٰذه الحركة إلا لله، فأنت تركع لله، فلما كان الركوع ذل وعبادة لله نهي العبد أن يطأ في القرآن؛ لأن القرآن يصلح في الأماكن الشريفة والأحوال الشريفة وهـٰذا يصلح فيه التعظيم لله والتحبب له، وأما ما في جوف الركوع من الذكر فإنه توحيد هو تعظيم الله عز وجل، قال الرسول –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((أما الركوع فعظموا في الرب عز وجل)) وإذا عظمت ربك وعَظُم في نفسك تيقنت أنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له، فأنت تركع وتزداد شرفا، تزداد توحيدا، وتزداد انطراحا بين يدي ربك وتوكلا عليه، تركع وتحمد ربك أن غيرك لا يركع، قال الله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)﴾[المرسلات:48-50]، وقال الله: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ بنوعيه الركوع والسجود ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)﴾[القلم:42-43]، فعظم في ركوعك رب العالمين، ومما تقوله في النوافل: سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة. كما جاء في حديث علي في صحيح مسلم وغيره، ومما تقول في ركوعك: اللهم لك ركعت، لك وحدك، لا أركع لأحد غيرك، وبك آمنت وعليك أسلمت، وبك آمنت أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين. يا له من توحيد، وتقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. وتذكّر أنك إذا ركعت بظهرك لله يلزمك أن يركع قلبك لوحي الله عزّ وجل، فإذا جاءك النص فاركع له، إذا جاءك النص فاستسلم له، وإلا لم تنتفع بركوع ظهرك، يا عبيد الله، إنما أمرت أن يركع ظهرك ليركع قلبك؛ لكي تستحضر أوامر الله فلا تقدم عليها شيئا، لكي تستسلم لها، وهل المسلم إلا المستسلم؟! فمن ركع ظهره، ثم إذا جاءه الوحي نازع وجادل ومارى ليُدخض الحق، فما انتفع بصلاته، ثم تستقيم بعد ركوعك واستقامتك تعظيم لله، وأيضا حتى يكون سجودك أبلغ بأن تسجد عن قيام، تخر خرورا من فوق إلى أسفل لله رب العالمين، وفي جوف هـٰذا القيام تحمد الله عز وجل، ماذا تقول؟ تقول: سمع الله لمن حمده. أي استجاب ربنا لمن حمده، ثم تقول: اللهم ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السمٰوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، أهل الثناء والمجد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت. قدر وتوحيد وإيمان، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. حظه لا ينفعه عندك إن لم يكن له عناية منك وتوفيق ومعونة، وتحمد الله بمحامد يباركها الله لك ويثيبك عليها، لما قال بعض الصحابة هـٰذا المقطع الأول من هـٰذا الحمد قال –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها كلهم يريد أن يكتبها أولا)) لعظم هـٰذا الكلام.
ثم بعد ذلك تخر إلى الركن الأعظم في الصلاة ركن التوحيد، السجود لله عز وجل، فتسجد لربك، تضع أشرف أعضائك على الأرض تعفّر وجهك بالتراب ولا ترض أن تقدم هـٰذه العبادة لأي أحد في السماء ولا في الأرض إلا لله رب العالمين، فتسجد لله عز وجل، ولا خير في دين لا صلاة فيه، ولا خير في صلاة لا سجود فيها، ولذلك كرر السجود في الركعة الواحدة مرتين؛ لأنه التوحيد ولأنه لب الصلاة، وحظ الأرض منك وأنت ساجد سبعة أعضاء، وحظها منك وأنت قائم وراكع عضوين فقط، وسميت المساجد بأسماء السجود، فلم تسم مقامات ولا مراكع ولا معابد، وإنما سميت مساجد، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)﴾[الجن:18]، في السجود يجتمع أمران: غاية التوحيد بالعمل وغاية التوحيد بالقول في مكان واحد.
فغاية الحركات التي تدل على العبودية والذل والتوحيد هي السجود، أن يكون وجهك في الأرض.
وغاية الأقوال التي يكون فيها العبودية والتوحيد والذل هي الدعاء، و((الدعاء هو العبادة)).
وجمع الله لك وأنت ساجد بين السجود والدعاء، قال –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) لأنكم في وضع حري به أن يستجاب لكم، في وضع الذل والتقرب إلى الله، قال الله: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾[العلق:19]، كلما تسجد تقترب من الله عز وجل.
ثم بعد ذلك إذا جلست جلوس عبادة؛ ولذلك له هيئة معينة، تجلس على قدمك وتنصب الأخرى وأصابعه إلى القبلة، أو تتورك، وفي هـٰذا الجلوس جلوس العبادة والتذلل تستغفر ربك وهل الاستغفار إلا وحيد! ربي اغفر لي، وربي اغفر لي، بقلب حاضر، ربي اغفر لي، ثم تعيد السّجود مرة أخرى.
وإذا جلست للتحيات فإنك تحيي ربك ولا تسلم؛ لأنّ الله لا يحتاج إلى السلام؛ بل هو السلام ومنه السلام، فلا يقال: السلام على الله من عباده؛ لأنّ العباد هم الذين يحتاجون إلى السلام، ورب العالمين أعلى وأجل، وإنما تقول: التّحيات لله، والصّلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. تسلم عليه في كل صلاة حتى تستشعر أنك مأمور بطاعته واتباعه وتقديم كلامه على كل شيء؛ بل مأمور أن تحبه أكثر من حبك لنفسك ومالك وولدك، وإلا لن تؤمن حق الإيمان. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إلـٰه إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يا عباد الله، بعد هـٰذا كلّه من يقول: إن الصلاة كغيرها، كيف يلتبس هـٰذا الأمر فتجعل الصلاة كغيرها من أمور الدّين، الصلاة أخت التوحيد؛ بل هي التوحيد، التوحيد كلمة وفعل، كلمة باللسان وفعل للصلاة، ولذلك قال النبي –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد فكفر))، وقال –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((بين الرجل وبين الشّرك)) يعني الأكبر المخرج من الملة ((والكفر ترك الصلاة)) الترك المجرد لأنه ترك التوحيد ولم ينفعه ذلك، يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾[العنكبوت:45]، الصّلاة فيها وقاية وفيها علاج، لو حافظت عليها، وحافظت على هـٰذه الجوهرة والدرة من الضياع؛ لأنك بحاجة أن تحافظ عليها، والشيطان لا يتركك إلا أن تجاهده، تحافظ على الطمأنينة وعدم العجلة، وعلى استشعار هـٰذه المعاني، وعلى تعظيم الرب وتوحيده، وعلى الخشوع وعلى التبكير، وعلى الطمأنينة، وعلى الجماعة وعلى الوقت، تحافظ على هـٰذه الدرة، على هـٰذا التوحيد، حتى يقع كما يحبه الله، إذا حافظت عليها كذلك فهي وقاية لك من الفحشاء والمنكر، وقاية لك من الفحشاء والمنكر، وترك الذنب أيسر من طلب التوبة.
ثم هـٰذه الصغائر واللّمم تغسلها لك الصلاة، قال –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، أيبقى من رنه شيء؟)) قالوا: لا والها لا يبقى من درنه شيء، يغتسل من نهر في اليوم خمس مرات لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فكذلك الصلوات الخمس يمحو بهن الخطايا)).
والصلاة عباد الله هي التي تحيي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والهجرة والجهاد والدعوة والولاء والبراء، وأمور الدين العظام، والحب والبغض، تؤكدها الصلاة، ولهـٰذا فهم ذلك المشركون فـ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)﴾[هود:87]، فنصّوا على الصلاة لأنهم صدقوا وهم أهل كذب وفجور، صدقوا في هـٰذا الكلام، فالصلاة تأمرك يا عبد الله أن تترك ما يُعبد من دون الله، وتأمرك أن لا تفعل في مالك ما شاء؛ بل ما يشاء مالك المال وهو الله رب العالمين.
فيا إخوتي في الله، عظموا هـٰذه الصلاة، يا عباد الله أيقنوا أنّ الصلاة هي التّوحيد، وأن فعلها هو التوحيد، وأن تركها هو الشّرك بعينه، ولذلك أجمع أهل العلم أن من صلّى دخل في الإسلام، وأن تكلّم بالكلمة دخل في الإسلام، ولا يوجد شيء من أمور الدين يُدخل في الإسلام بمجرد فعله إلا هذين الأمرين، ولا يوجد شيء من أمور الدين يخرج من الإسلام بمجرّد تركه من غير جحود ولا غيره إلا هذين الأمرين؛ لأنهما التوحيد قولا وعملا.
وأختم بهـٰذه الكلمة العظيمة التي تُوقفنا على حالنا وتنبهنا من غفلتنا من إمام وفقه الله توفيقا بالغا، وهو الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله، قال كلمة لو عرضنا أنفسنا عليها لرأينا عجبا قال: إذا أردت أن تعرف قدر الإسلام من قلبك فانظر إلى قدر الصلاة من قلبك. لأن الصلاة هي الإسلام، إذا أرادت أن تعرف قدر الإسلام من قلبك، فهـٰذا لا يعرف بالتحلي ولا بالتمني ولا بالآهات، ولا بالصياح، ولا بغير ذلك، الأمر أقرب من ذلك، تريد قياسا، تريد ميزانا، تريد معيارا، تقيس به قد الإسلام من قلبك، أنظر إلى قدر الصلاة في قلبك؛ لأنها هي تطبيق التوحيد، فإن كنت محبا لها، معظما لها، مداوما عليها، ومبكرا إليها، مطمئنا فيها، خاشعا فيها، مستحضرا للتوحيد فيها، هي عنك أغلى من كل شيء، كما قال المشركون قالوا في غزة من غزوات النبي –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: إن المسلمين الآن تحضرهم صلاة هي أحب إليهم أموالهم وأنفسهم وهي صلاة العصر، فإذا كبروا فيها ملنا عليهم ميلة واحدة، فأنزل الله: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ﴾ وتأملوا إخوتي في هـٰذه الكلمة ﴿فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ﴾[النساء:102]، فإذا أردت أن تعرف قدر الإسلام في قلبك، فانظر إلى قدر الصلاة في قلبك، وعندها ستكتشف ما هو قدر الإسلام عندك.
اللهم حقق لنا التوحيد، اللهم اجعلنا ممن يستعين بالصبر والصلاة، اللهم اجعلنا من أهل التوحيد، من أهل كلمة التوحيد، ومن أهل عبادة التوحيد وهي الصلاة يا رب العالمين.
اللهم ألزمنا هذين الأمرين، واجعلنا كل يوم وكل ساعة نزداد فيهما خيرا ويقينا وفقها وإقبالا يا رب العالمين.
اللهم أحينا عليهما وأمتنا عليهما يا حي يا قيوم.
اللهم ارزقنا حب الصلاة، اللهم اجعلها قرة أعيننا، اللهم اجعلها قرة أعيننا، اللهم اجعلنا نفزع إليها كما أهم الأمر، واجعلنا نفزع إليها في كل أوقاتنا، واجعلها راحتنا يا رب العالمين، يا حي يا قيوم.
اللهم اجعلها أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا، اللهم زدنا إيمانا وتوفيقا وفقها، اللهم زدنا إيمانا وتوحيدا وفقها يا رب العالمين.
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد.