310454

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)). أما بعد:

فيقول الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)) ويقول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)) إن الصلاة في جماعة فرض عين على الرجال المكلفين القادرين للصلوات الخمس دل على ذلك الكتاب والسنة والآثار.

فمن ذلك: أن ربنا جل جلاله أمر حال الخوف في الصلاة جماعة فقال: ((َإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)) فإذا أمر بالجماعة حال الخوف فحال الأمن من باب أولى.

ومن الأدلة: أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة في جماعة فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) متفق عليه.

ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بتحريق البيوت على المتخلفين عن صلاة الجماعة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله قال: ((إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصليَ بالناس ثم انطلقَ معيَ برجال معهم حِزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) خرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم.

ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص لرجل أعمى بعيد الدار بالتخلف عن الجماعة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال: نعم، قال: فأجب)) خرجه الإمام مسلم. وعن ابن أم مكتومٍ رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل رخصة أن أصلي في بيتي ؟ قال: ((هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة)) وفي لفظ أنه قال: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ فحي هلا)) أي: هلم إلى الصلاة ولا تَأَخَّرْ، خرجه الإمام أبو داود.

ومن الأدلة على لزوم صلاة الجماعة: أن تركها من علامات المنافقين ومن أسباب الضلال، لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاةَ في المسجد الذي يؤذن فيه"، وقال رضي الله عنه: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم". قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة الغداة أسأنا به الظن" رواه البزار وصحح الحافظ ابن حجرٍ إسناده.

ومنها: أن تارك الصلاة في جماعة متوعد بالختم على قلبه لحديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لينتهين أقوام عن وَدْعهم الجماعات –أي: عن تركهم الجماعات- أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني، وهو عند الإمام مسلم بلفظ: ((الجمعات)).

ومنها: استحواذ الشيطان على القوم الذين لا يقيمون ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية)) رواه الإمام أبو داود وغيره.

معاشر المؤمنين: إن صلاة الجماعة فيها فوائد كثيرة، ومصالح عظيمة، ومنافع عديدة، وحكم جليلة، فمن فوائدها وحكمها التي شرعت من أجلها: التعبد لله بهذا الاجتماع طلبا للثواب وخوفا من عقاب الله، فتراهم يجتمعون في المساجد لا لعرض من الدنيا بل همهم ومطلوبهم رضى الله سبحانه وتعالى وطاعته.

ومنها: إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وفي هذا أيضا عز للمسلمين بظهور اجتماعهم وكثرتهم فيغتاض أهل النفاق والكفر.

ومنها: تعليم الجاهل فيرى إخوانه في المساجد كيف يصلون ويقرؤون القرآن، ويسمع دروس العلم وخطب الجمعة فيتفقه في دينه، ولو صلى في بيته لما حصل له ذلك.

ومن فوائدها وحكمها: تفقد المسلم لإخوانه الذين يصلون معه في الجماعة، فيحسن إلى فقيرهم ويعود مريضهم ويعين ذا الحاجة الملهوف، ويتعاون الجميع على البر والتقوى، فلله الحمد في الآخرة والأولى.

معاشر المؤمنين: لقد جائت البشائر في السنة لمن حافظ على الصلاة جماعة، فمن ذلك: أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.

ومنها: أن فضل الصلاة يزيد بزيادة عدد المصلين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلَاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عزوجل)) خرجه أبو داود والنسائي.

ومنها: البراءة من النار والبراءة من النفاق لمن صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق)) رواه الترمذي وحسنه العلامة الألباني.

ومنها: أن من صلى الصبح في جماعة فهو في ضمان الله وأمانه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلُبْه من ذمته بشيء يُدْركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه. وقيده النووي بالصلاة في جماعة لورود الأخبار في ذلك.

ومنها: أن من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس فله أجر حجة وعمرة، لحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حَجة وعمرة تامة تامة تامة)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

ومنها: عظيم الأجر لمن صلى العِشاء والصبح في جماعة لقول الحبيب المصطفى والخليل المجتبى محمد صلى الله عليه وسلم: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) رواه مسلم,

ومنها: اجتماع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر والعصر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يَعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون)) متفق عليه.

ومنها: أن ربنا جل جلاله يَعجب من صلاة المرء في جماعة؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع –أي في الجماعة-)) رواه الإمام أحمد وحسنه المنذري.

ومنها: أن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأولى: لحديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ان الله وملائكته يصلون على الصف الأول، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني؟ قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني؟ قال: وعلى الثاني)) أخرجه الإمام أحمد وهو في صحيح الترغيب.

ومنها: الأجر العظيم لمن وصل صفا أو سد فرجة في الصف؛ لقول الخليل المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة)) رواه ابن ماجه وهو في صحيح الترغيب. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((من وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله)) رواه النسائي وغيره وصححه العلامة الألباني.

وأما المشي إلى صلاة الجماعة فهو من صفات المتقين الأبرار، وهو من أعظم الطاعات، قد ثبت في ذلك فضائل كثيرة منها: أنه ترفع له الدرجات وتحط عنه الخطيئات، ذاك الذي ترك بيته إلى مسجد يطيع الله عز وجل ويعبده فيه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة)) خرجه مسلم.

ومنها: أنه يُكتب له أجر الرجوع إلى بيته كما كتب له أجر المشي إلى المسجد، لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة قال فقيل له أو قلت له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جمع الله لك ذلك كله)) خرجه الإمام مسلم في الصحيح.

ومنها: أن أجر من خرج إلى صلاة الجماعة متطهرا كأجر الحاج المحرم، لحديث أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم)) رواه أبو داود وحسنه العلامة الألباني.

ومنها: البِشارة بالنور التام يوم القيامة لمن سعى إلى صلاة الجماعة في ظلمة الليل، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) رواه أبو داود وغيره وصححه العلامة الألباني.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم, أقول هذا وأستغفر الله.


الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاعلم بارك الله فيك أن المشي إلى الصلاة في جماعة له آداب، فمن آداب المشي إلى الصلاة: أن يتوضأ في بيته ويسبغ الوضوء للحديث المتقدم.

ومنها: أن يبتعد عن الروائح الكريهة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته)) متفق عليه.

ومنها: أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل وينوي بخروجه الصلاة.

ومنها: أن لا يشبك بين أصابعه في طريقه إلى المسجد ولا في صلاته، لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة)) رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني.

ومنها: أن يمشي بسكينة ووقار ولا يسرع ولو سمع الإقامة.

ومنها: أن يقول ما ورد عند دخول المسجد من الأذكار النبوية.

ومنها: أن يسلم على أهل المسجد ولا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه.

ومنها: أن يحرص على الصف الأول، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) متفق عليه.

ومنها: أنه إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) رواه الإمام مسلم في الصحيح.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام...