310454
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادِي له.
وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجتبوا ما يسخطه وما يغضبه فإنكم لا تطيقون عذابه طرفة عين ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد.
واعملوا: أن أصدق الكلام كلام الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، واعلموا أن شر الأمور في دين الله محدثاتها، وأن كل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الأخوة في الله، أيها المسلمون: قال الإمام الزاهد الأواه الجوال بالآفاق الذي رأى عجائب لم يرها غيره حتى إنه قد رأى المسيح الدجال بأم عينه الإمام أبو رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه، وعن أصحاب محمد أجمعين-، قال((: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة))، ثلاث مرات فعرف الصحابة أن لهذا شأنا عظيما وأن هذا هو تعريف الدين وأن الدين له حقائق.
فإن الرجل قد يكون صواما قواما ولكن هذه العبادة لم تصل إلى قلبه ولم تورثه الدين والإيمان ولم يظلمه رب العالمين وإنما سبب ذلك ضعف في إخلاصه أو في متابعته.
لما سمع أصحاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف الدين كله بأنه النصيحة ويكرر ذلك ثلاث مرات عرفوا أن لهذا شأنا عظيما ((فقالوا يا رسول الله: لمن هذه النصيحة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
فمن كان ناصحا لهؤلاء فهو دين وفيه دين ومن كان في قلبه غل والغل ضد النصيحة أو غش أو حرج فليس بدين ولا يغرركم صلاته ولا صيامه ولا قراءته.
هذا حديث جامع فاذ في تعريف الدين وفي حقيقة الدين ولا يخرج عنه من الدين مثقال حبة، هذا هو الدين كله.
فأولا: إخواني في الله: النصيحة لله: رب العالمين وذلك بالرضا عنه وعن أسمائه وصفاته والفرح بدينه والإقبال على أمره والهرب من حدوده وما يغضبه وتلقي قدره وشرعه وما يأتي منه بفرح ورضا عنه وأن تكون عبدا ناصحا لمولاك عبدا صادقا ذليلا محبا لسيدك، تسعى في مراضيه وتجتنب حدوده وما يغضبه، إن كنت كذلك فأنت عبدا ناصح لسيدك ومولاك وأن عبدا دين وإن قصرت في بعض العمل فعندك دين.
والثانية: النصيحة لكتابه: النصيحة للقرآن وذلك بالإيمان بمتشابهه وعدم الهلاك عند المتشابه أو إتباعه والعمل بمحكمه وتلاوته حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وعدم هجره والتفقه فيه وتعلمه وتدبره وصرف الأوقات مع هذا القرآن وإتباع ما فيه، هذه النصيحة للقرآن، فمن كان ناصحا لكتاب الله لا يهجره ولا ينبذه وراء ظهره ولا يقدم عليه كلام البشر وكتب البشر إلا ما أعان على فهمه وفهم معانيه، ولا يقدم عليه رأي ولا قياسا ولا هوى ولا عادة ولا تقليدا يعظم القرآن فهو ناصح لكتاب الله وهو دين.
والثالثة: النصيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بمحبته ومحبة أصحابه وأهل بيته ومحبة سنته وإتباع آثاره وطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وألا يعبد الله إلا بما شره هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم التقدم بين يديه برأي ولا قياس ولا عادة ولا هوى وعدم رفع الصوت عليه في حياته وعدم رفع الصوت بعد مماته على سنته فلا يقدم على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء والغيرة عليها والغضب عليها والعمل بها ونشرها كما قال - صلى الله عليه وسلم - ((نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها))، فهذه النصيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الثالثة: أخوتي في الله التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي من علامات الدين: النصيحة لأئمة المسلمين، وإنما ذكرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه الخصوص ولا يدخلهم في عامة المسلمين مع إنهم من عامة المسلمين وإنما أفردهم لأنه يكثر الغل عليهم وهذا ليست علامة دين فمن غل على أئمة المسلمين من العلماء والأمراء ولم ينصح لهم ولم يدعو لهم ولم يحب لهم الصواب والتثبيت ولم يجمع الناس عليهم ففي قلبه غل وليس بدين وإن كان صواما قواما كما كانت الخوارج، تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم ولكن ليس في قلوبهم نصيحة لا لأئمة المسلمين ولا لعامتهم فهم من الدين بأبعد ما يكون.
فمن أراد الدين فالنصيحة النصيحة لأئمة المسلمين والنصيحة لا تعني الحب فإن الحب والبغض على الطاعة والمعصية وإنما النصيحة معناه طهارة القلب وعدم الغل وعدم محبة الفرقة والدعاء وطلب اجتماع الكلمة وطلب إعزاز الدين بهم النصيحة لأئمة المسلمين فمن كان غالا عليهم فليس بدين وإن كثرت صلاته وصيامه وإن كثر التجمل والكلام واعتبر ذلك في نفسك وفيمن تعرف، والخامسة: النصيحة لعامة المسلمين النصيحة لهم وذلك بأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتعينهم على البر والتقوى وتأطرهم على الحق أطرا وتقصرهم على الحق قصرا.
ومن ذلك أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، أن تكون ناصحا لأخيك كما تنصح لنفسك في بيع أو شراء أو نصيحة أو مشورة أو زواج أو غير ذلك، تنصح لأخيك المسلم فإن كنت كذلك طاهر القلب على المسلمين تريد لهم الخير وتحب لهم الخير وتهتم بأمرهم تدعو لهم فأنت دين وإن كان في قلبك غش أو غل أو خديعة أو تدليس لأحد من المسلمين فأينك وأين الدين؟ يا عباد الله: وضد هذه الخمس: الغل فالغل على الله سبحانه وتعالى بالحرج من قدره وشرعه، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء/65] .،
الغل على ما يأتي من الله من شرع أو قدر، الغل على بعض النصوص التي لا توافق الأهواء كقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء/59] .
فمن وجد غلا أو حرجا أو ترددا أو ثقلا من هذه الآية وما في معناها فليس بدين وإن كثر التجمل والكلام، والغل على رسول الله تقديم الأهواء والآراء والأقيسة والعادات على سنته وعدم الغيرة عليها وعدم محبتها ونشرها، والغل على القرآن بتقديم الكتب والثقافات والجرائد والمجلات والمواقع والقنوات والجلسات على كتاب الله وهجره ونبذه وراء الظهر وعدم التفقه فيه وتدبره هذا غل على كتاب الله، والغل على أئمة المسلمين: تفريق الناس عنهم واللمز والهمز في العلماء والأمراء والطعن عليهم ومحبة الفرقة ومحبة تشتت الكلمة نعوذ بالله من الخذلان، فليس بدين وإن كثرت صلاته وصومه، والغل على عامة المسلمين كما سمعتم.
فيا عباد الله يا عباد الله: لم يدع لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجالا للتأويل أو الاجتهاد، هذا هو الدين كله، فإن أردت أن تبحث عن الدين وتقيس الدين في نفسك وعند من تعرف فهذا المقياس الحقيقي ما سواه مظاهر وهذه الحقيقة، فإن كانت تلك العبادات قد أثمرت هذا الشيء فقد وصلت وقد قبلت وإن كانت تلك العبادات لم تثمر هذا الشيء فلم تصل إلى القلب، الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، الدين طهارة القلب وضد ذلك الغل.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث ((لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله وهذه تجمع النصيحة له ولكتابه ولرسوله، ولزوم جماعة المسلمين)) وهذه النصيحة لعامة المسلمين، ومناصحة من ولاه الله أمركم وهذه النصيحة للأئمة، فذلك الحديث يبين النصيحة وهذا الحديث الذي ذكره في حجة الوداع في المجمع الأعظم يبين ضد النصيحة.
اللهم اجعلنا أنصح الناس لك، اللهم إله الحق رب العالمين نسألك بأنا نشهد إنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم إله الحق أنت حسبنا ونعم الوكيل اللهم نسألك أن نكون أنصح الناس لك، اللهم اجعلنا أنصح الناس لك ولكتابك ولرسولك ولأئمة المسلمين وعامتهم، اللهم اجعلنا أنص الناس لأئمة المسلمين ولعامة المسلمين، اللهم طهر قلوبنا من الغل، اللهم طهر قلوبنا من الغل على النصوص والغل على كتابك ورسولك والغل على شرعك وقدرك والغل على أئمة المسلمين وعامتهم، اللهم طهر قلوبنا من ذلك، اللهم املأها بالحكمة والإيمان واليقين، أنت حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين.
435347 435347
607414