310454
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ
للشيخ: عبد الرحمن بن صالح الحجي
رابط الاستماع http://www.alamralawal.com/include/khotbapopup.php?id=39
_______________________________________
الخطبة الأولى

اللهم لك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركً فيه كما تحب ربنا وترضاه، لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بنعمة السنة، والهداية ولك الحمد بنعمة الأهل والمال والمعافاة، بسطت أرزاقنا وأحسنت معافاتنا وجمعت فرقتنا وكبدت عدونا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد أولًا وآخرا وظاهر وباطنا، الخير كله بيديك والشر ليس إليك، تباركت ربنا وتعاليت أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق وقولك حق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق والساعة حق، اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا وإليك حاكمنا فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.
أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإن هذا ملاك الأمر كله، وسعادة الدنيا والآخرة.
ثم اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله - عز وجل -، وأن أحسن الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن شر الأمور في دين الله محدثاتها، وأن كل محدثة في دين الله بدعة، وأن كل بدعة ضلالة.
أيها الأخوة في الله، أيها المسلمون: يقول ربنا تبارك وتعالى معاتبًا علينا ومعاتبًا لنا وواعظًا وآمرًا ومذكرًا، يقول - جل جلاله -: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (2) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)﴾[التكاثر/1 ، 2] ، أشغلكم يا عباد الله هذا التكاثر حتى حُملتم على الرقاب ووُريتم في التراب؟ التكاثر أمة الإسلام هو والتكلف هو فساد الدين والدنيا، وإن من تدبر أحوال الناس اليوم بل وتدبر حال نفسه وفتح الله بصيرته وجد أن الناس أفسد دينهم ودنياهم التكاثر والتكلف، والله - عز وجل - نهاهم عن هذا وهذا في كتاب.
التكاثر في الأموال: يُنفق العمر والجهد والصحة والوقت وكل شيء، لا يبحث عما يغنيه عنده من المال ما يكفيه وولده من بعده، ولكن ليكون أكثر من فلان، وهذا أمر لا ينتهي، وقد رأيتموهم في ظاهرة المقامرة بالأسهم لا أعادها الله على المسلمين، لم نرى أحد انسحب قبل انفجارها إلا ما ندر مع أنهم قد ملكوا الأموال الطائلة، والذي منعهم من ذلك التكاثر، لا يقتنع ولا يستغني ، يتكاثر حتى انفجرت على الجميع وأصلها قمار.
والتكاثر في الأموال الآن هو الذي يشغل الناس، التكاثر في المساكن، مسكنه طيب ويريد أجمل وأوسع وهكذا لا ينتهي حتى ينتهي العمر وهو لم ينصرف لما خُلق من أجله.
التكاثر في المناصب وفي الألقاب وفي الترقيات: هكذا يُصرف فيها العمر، بعضهم يدرس ما يسمى بهذه الدراسات العليا، لا يريد علمًا ولا يريد انتفاعًا، وإنما يريد لقبًا فيصرف فيها هذا العمر الطويل الذي لو صرفه في تدبر الوحي لانتفع ونفع حتى يحصل على لقب أعجمي يضاف قبل اسمه فيفرح بذلك، ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾.
دب التكاثر حتى في العلم: يتكاثرون في الكتب ولا يقرءونها، يُقال هذا مكتبته أكبر من فلان وهو لا يتدبر، ألا يخشون أن يكونوا ممن وصفهم الله فقال عنهم في الأولين: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ [الجمعة/5]، قد كان يغنيه كتب الوحي والتفسير بالأثر وما أعان على الوحي ثم ينتهي، ولكنه التكاثر، وهذا الذي خاف منه الصحابة من كتابة الكتب تشغلهم عن المهم، يتذاكرون في علوم الآلة وعلوم الآلة كاسمها، إنما هي للآلة، إذا أقمت لسانك فلم تلحن كفاك من النحو، وإذا أقمت فهمك فلم تلحن كفاك من الأصول، وإذا جمعت الطرق فصح الحديث وتبين وجهه كفاك هذا، ولكنه التكاثر، بعض أهل العلم جمع لحديث واحد مائتي طريق والحديث صحيح وهذه الطرق لا تضيف له علمًا ولا تبين منه غامضًا، ولكنه التكاثر، ففرح بذلك أعظم الفرح، فلما نام رأى في المنام يحيى بن معين أحد الأئمة الأعلام فقال: "يا أبا زكريا: أما شعرت أني جمعت لهذا الحديث مائتي طريق؟ فقال يحيى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ[التكاثر/1]، ما أُنزل الوحي حتى نتكاثر فيه هكذا، وإنما حتى نتدبر، حتى نفقه".
وهكذا الآن في تخريج الكتب، الكتاب من كتب السلف يساوي غلاف رقيقًا لطيفًا أو كُتيب، فيأتي هؤلاء المتكاثرون فينفخوه بمجلدات، فإذا نظرت في حواشيهم وإذا هي زبد وغثاء، وضخموا الكتب وضاعفوا أسعارها من أجل هذا التكاثر، بعضهم يُخَّرج الأحاديث من أجزاء حديثية لا يطلع عليها ولا يعرف أين هي، ولكنه التكاثر، قاتل الله التكاثر، فصدوا الناس عن سبيل الله.
وأيضًا التكاثر في الكلام، التكاثر في الكلام مجلدات لا تخرج منها إلا بفائدة يسيرة، قال الإمام ابن رجب - رحمه الله - في رسالته النافعة الماتعة: ((فضل علم السلف على علم الخلف)) قال: " أصحاب محمد الأوائل الأكابر كأبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وزيد ومعاذ أفقه من ابن عباس"، وابن عباس أكثر كلام منهم فيما نُقل إلينا، وابن عباس أفقه من التابعين والتابعين أكثر كلام منه فيما نُقل إلينا، والتابعين أفقه ممن بعدهم ومن بعدهم أكثر كلام منهم فيما نُقل إلينا وكلما توالت القرون كثر الكلام وقل العلم، كثر الكلام وقل العلم.
ولذلك صدق أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - لما وصف أصحاب محمد فقال: "أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلهم تكلف"، علم عميق وغزير ولكن التكلف والتكاثر قليل فيه، فالكلمة الواحدة مباركة تحتمل من المعاني والعلوم ما لا يحصيه إلا الله، أوتوا جوامع الكلم كما أوتي الأنبياء، والأنبياء أحسن منهم وأفضل بما لا يُقارن، وهذا من الكمال في جوامع الكلم.
يا عباد الله: هذا التكاثر وهذا التكلف صد الناس عن العلم، عن الوحي، بعضهم يقرأ القرآن بالقراءات السبع والعشر فكان ماذا؟ واحدة تغنيك وتدبر وافقه في القرآن، كان القرآن في عهد أصحاب محمد على سبعة أحرف، هل جاءنا واحد وقال أنا أحفظهم بالأحرف السبعة؟ هل أُمروا بذلك؟ لو فعل أحدهم لنُهي، ثم بعد ذلك جُمع على حرف واحد في عهد عثمان وله عدة روايات، لم يُنقل التسابق في هذا، وإنما تُحفظ وكل أهل بلد يحفظون قراءتهم، أعظم من حفظ قراءاته تدبره، ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص/29]، كثير مما في التجويد يدور بين التكلف والتكاثر، وأصحاب محمد إذا أقاموا القرآن فلم يلحنوا فيه وعرفوا الوقوف ومخارج الحروف وضبطوا ما يغنيهم انتقلوا لما هو أعظم، وأصحاب محمد لم يكونوا يلحنون في القرآن، فيكفيك من التجويد إقامة اللحن ومعرفة الوقوف والشيء اليسير، هذا وما عداه فهو تكلف وتكاثر وهكذا في أكثر العلوم، وهكذا في أكثر العلوم.
في العبادة ألَّف شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رسالة ماتعة موجودة في مجلد الصيام الخامس والعشرين اسمها ((الاقتصاد في الأعمال)) فقال:
" الأصل في عبادات الأنبياء والصحابة هو الاقتصاد، والجهد الذي يبذله من بعدهم في التكثير كانوا يبذلونه في التحسين والإحسان؛ لأن القرآن كله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فيستفيدون فائدتين:
الأولى: أنهم أحسنوا العمل،
والثانية: أنهم لا ينقطعون،
وجاء من بعدهم فجعلوا جهودهم في التكثير فانقطعوا ولم يحسنوا، خير الأعمال أدومه وإن قل."
ولذلك نرجع إلى أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود، فقد قال لأصحابه: "إني أراكم أكثر صلاة وصيامًا وقراءة للقرآن من أصحاب محمد، ولكني أراهم خير منكم، الكثرة عندكم والخيرية عندهم، قالوا: لما يا أبا عبد الرحمن؟ قال: نفعتهم عبادتهم، كانوا والله أرغب في الآخرة وأزهد في الدنيا"، هذه العبادة لما أحسنوها على قلتها نفعتهم نفعًا بالغًا، فكانوا أرغب في الآخرة وأزهد في الدنيا، وأنتم تكثرون العبادة، ولكنكم لستم مثلهم بالرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا.
فيا عباد الله: تدبروا ما حولكم تجدوا أن هذا التكاثر قتل الناس في دينهم وعلومهم ودنياهم واستهلك أعمارهم ولذا قال الله: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)﴾ ، اليوم أو غدًا وانتهت الفرصة التي مُنحت لك، لكن أتظن الأمر انتهى؟ ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)﴾ ، لم ينتهي الأمر، أُعطيت فرصة فضيعتها في التكاثر حتى زرت المقابر، والمقابر ليست إقامة، وإنما هي زيارة وما بعدها أعظم منها.
﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)،﴾
يا عباد الله: ما أعظمها من موعظة لو وافقت قلوبنا، ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)﴾ ، كل واحد منا سيقف في العرصات عاريًا حافيًا غير مختون ليس معه شيء، والشمس قد أُدنيت منه، ثم يُؤتى بجهنم، كل واحد منا سيراها بأم عينيه، تُسحب لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف من الملائكة الغلاظ الشداد يجرونها، فهؤلاء قرابة خمسة مليارات من الملائكة يجرونها، ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾، ﴿ سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ نعوذ بالله من النار ومن أسباب النار.
فيقول الله لنا بعد أن نعى علينا التكاثر: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)﴾، تراها وأنت في أضعف حال، تنظر أمامك، عن أيمن منك فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، المال الذي تكاثر من أجله والولد والمناصب والترقيات والولايات ذهبت، تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، "فاتقوا النار ولو بشق تمرة "، يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه، فهذه النار.
ثم ماذا بعد الرؤية؟ أما الكفار وأهل الشرك وأهل ترك الصلاة، وترك الصلاة من الشرك فهؤلاء يُسحبون في النار على وجوههم، ذوقوا مس سقر، هؤلاء أهلها الذين هم أهلها وسكانها نعوذ بالله من ذلك.
وأما أهل الإسلام وفيهم فساقهم وأهل معاصيهم فيُنصب لهم الصراط على متن جهنم، لا تكفي الرؤية حتى يأتي الورود، قال الله: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم/72]، لا بد أنا وأنت أن نراها بأعيينا، ثم إن أماتنا الله على الإسلام ولم يُنزع منا هذا الثوب فلا بد أن نمضي على الصرط، ثم على حسب استقامتنا على صراط الدنيا ومسارعتنا فيه يكون ذاك الصراط.
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر/8]
أين الصحة؟ أين الفراغ؟ أين الأمن؟ أين المال؟ أين وجود العلماء بين ظهرانيكم؟ أين التمكن من طاعة الله؟ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، يا لها من موعظة لو وافقت قلوب حية.
قال بعض السلف: "إذا رأيت الواعظ يعظ ولا يتعظ، والموعوظ تزل الموعظة عن قلبه كما تزل القطرة عن الصفا فاعلم أن الله قد لعنهم فأصمهم وأعمى أبصارهم"، نعوذ بالله من الخذلان، ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد/24].
يا عباد الله: قال الله: ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر/3]، قال الشافعي في هذه السورة كلمتين عظيمتين:
الأولى يقول: " إن أغلب الناس في غفلة عن تدبر هذه السورة "،
وفي الكلمة الثانية يقول: " لو ما أنزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم"
يحلف الله أن الناس كلهم خاسرون، فلا تغرك كثرتهم فإن الكثرة من التكاثر، وما أضل الناس إلا التكاثر، إذا رُؤي صاحب الحق ضعيفًا مستضعفًا قليلًا قالوا أهذا على الحق والناس الكثرة الكاثر على الباطل؟ هذا لا يكون، فأضلهم هذا التكاثر.
قيل للمعتصم لما لم يقوى قلبه على ضرب الإمام أحمد: يا أبا إسحاق، وكان أميًا جاهلًا لا يقرأ ولا يكتب، قال له الظلمة من قضاة السوء وعلماء السوء ودعاة السوء الذين من حوله: "يا أبا إسحاق أتظن نفسك وأنت أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ومعك قضاتك وعلماؤك ومفتوك وشعبك على الباطل وأحمد لوحده على الحق؟ هذا لا يكون"، فدخلت الشبهة في قلبه فقوي قلبه على ضرب الإمام أحمد وسجنه ذلك السجن الطويل.
فالناس أضلهم التكاثر، ألا يقرءون القرآن؟، ألا يقرءون القرآن؟ ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ [المائدة/100] أكثر الناس لا يفقهون؟ أكثر الناس لا يعقلون؟ أكثر الناس لا يشكرون؟
وهنا يقول الله: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر/2]، الأصل في الإنسان أنه خاسر، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ﴾ ، الإيمان إقرار بالقلب وشهادة باللسان وتصديق بعمل، وما عدا ذلك لا يُسمى إيمان،﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر/3] ليسوا من طائفة افتضحوا فاصطلحوا، ليسوا من طائفة اسكت عني أسكت عنك، ليسوا من طائفة لا تجرح شعوري ولا أجرح شعورك، ليسوا من طائفة كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لا والله، لا ينجون حتى يتواصوا بالحق وإن كان مرًا فإن عاقبته خير، ويتواصون بالصبر على الغربة، الصبر على خذلان أهل الحق للحق، الصبر على جلد الفاجر وعجز الثقة، الصبر على طاعة الله وعلى نعم الله وعلى أقدار الله وعن معاصي الله، الصبر على الشهوات وعنها، وتواصوا بالحق عند الشبهات، أكثر الناس في غفلة عن تدبر هذه السورة.
اللهم إنَّا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أعطيت، وإذا دُعيت به أجبت أن تجعلنا من أولائك الناجين، اللهم أخرجنا من طائفة الخاسرين واجعلنا من الذين آمنوا وصدقوا إيمانهم بالعمل الصالح الحسن وتواصوا فيما بينهم بالحق وتواصوا فيما بينهم بالصبر يا رب العالمين.
يا رجاءنا، اللهم إنَّا نعوذ بك من التكاثر الذي يلهينا عن ما خُلقنا من أجله، ونعوذ بك من التكلف ونعوذ بك من الضلالة بعد الهدى يا رب العالمين، اللهم افتح على قلوبنا ونور بصائرنا واربط على قلوبنا وخذ بنواصينا إلى الحق وثبتنا على الصراط حتى نلقاك فإنه لا تُستطاع هذه الأمور إلا من قبلك، أنت حسبنا ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله ونعم الوكيل على الثبات على الإسلام والسنة حتى نلقاك، حسبنا الله ونعم الوكيل إذا زرنا المقابر وتخلى عنا الأقارب، حسبنا الله ونعم الوكيل إذا رأينا الجحيم أُتي بها تجر بالعرصات، حسبنا الله ونعم الوكيل إذا نُصب الصراط على متن جهنم، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ما ينتظرنا من أهوال، توكلنا على الله في إحسان العمل وفي إحسان الأدب معه في الدنيا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

435347 435347
607414