310454
عنوان الخطبة: سورة البداية و النهاية
الشيخ: عبد الرحمن بن صالح الحجي

الخطبة الأولى

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه, ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الناس, اتقوا الله تعالى حق التقوى, بفعل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه, فإن الله يغار, وغيرة الله أن تنتهك محارمه, ولكنه يُمهِل ولا يُهمِل سبحانه وبحمده, لأنه لا يستعجله شيء, كل شيء في قبضته, وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون.
إخواني, أيها المسلمون, أتدرون لماذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة سورة السجدة في فجر يوم الجمعة؟ إن ذلك أيها الإخوة بسبب أن يوم الجمعة هو يوم البداية ويوم النهاية, يوم الجمعة بالنسبة لبني آدم هو يوم بدايتهم وهو يوم نهايتهم, فيه خلق آدم وذريته في ظهره وفيه تقوم الساعة وينتهي بنو آدم, كل ذلك في يوم الجمعة وسورة السجدة فيها ذكر هذه البدايات وهذه النهايات, فلذلك ناسب أن تُقرأ في يوم الجمعة ليتذكر بنو آدم كيف بدؤوا وكيف ينتهون وما مصيرهم لعلهم يرجعون, لعلهم يتفكرون, لعل القلوب أن تحيا, والنفوس أن تكف عن هواها, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿المٓ * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين* أم يقولون افتراه﴾ كما قيل للرسل ولأتباع الرسل إلى يوم القيامة مفترين, كذابين وسحرة ومجانين, سنة الله التي لا تتخلف ﴿أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك﴾ ومع ذلك فحجة الله عليهم قائمة, «إن أبي وأباك في النار» كما قال صلى الله عليه وسلم, لأن الشرك ظلم عظيم, والظلم يعرفه الناس بفطرهم, ولأنهم كانوا على دين إسماعيل فحرفوا وبدلوا ﴿ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون* الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش﴾ كان الله ولم يكن شيء, لم يكن سماوات ولا أرض ولا عرش ولا كرسي ولا بشر ولا ملائكة, هو الغني عن كل شيء, وكل شيء لا يستغني عنه سبحانه وبحمده, لكنه أراد أن يخلق خلقًا يعبدوه ويحمدوه ويعرفوه ويحبوه ويثنوا عليه, ويُظهر فيهم أسماءه الحسنى وصفاته العلى, فبدأ الخلق يوم الأحد وانتهى يوم الجمعة, وخلقهم وإذا ذهبوا ذهب الخلق معهم ﴿إذا السماء انفطرت* وإذا الكواكب انتثرت* وإذا البحار فجرت﴾ ﴿ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون﴾ يا من أشرك بالله, يا من توجه بقلبه إلى غير الله, فخاف من المخلوق أو أحبه كحب الله أو رجاه أو اعتمد عليه ﴿ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون* يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون﴾ المسافة التي يقطعها الأمر من السماوات إلى الأرضين تستغرق ألف سنة ما تعدون, ومع ذلك تقطعها الملائكة في طرفة عين, إن الله هو القوي العزيز, الذي أحسن كل شيء خلقه, كل شيء خلقه فقد أحسنه, وبدأ خلق الإنسان من طين, ﴿ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم﴾ عزته برحمة ورحمته بعزة, رحمة ليست بذل, وعزته فيها رحمة سبحانه وبحمده, هو العزيز الرحيم وهذا غاية الكمال, ﴿الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين﴾ يوم الجمعة بدأ خلق الإنسان من طين ﴿ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين﴾ يُستَل هذا الإنسان من الماء, كما يقولون الآن عشرات الملايين من الحيوانات يُستَل منها واحد يخلق منه البشر, ولكنه مخلوق من ماء مهين, فليسمع المتكبرون والمختالون من ماء مهين, ﴿ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون﴾ وقليل من عبادي الشكور, وهذه الأدوات حجة عليكم يوم القيامة, وشاهدة لكم أو عليكم يوم القيامة, أدوات العقل تدلك على أنه: في كل شيء له آية تدل على أنه واحد, إن الشرك لظلم عظيم, ﴿وقالوا أئذا ضللنا في الأرض﴾ واختلط رفاتنا بالتراب وضعنا في الأرض, يا سبحان الله يا سبحان الله, ﴿أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين* وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم﴾ ولذلك لم يرد الله عليهم هنا, وإنما أخبرهم بالحقيقة فقال ﴿بل هم بلقاء ربهم كافرون* قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون﴾ فأحسنوا الأدب معه فإنكم ملاقوه لا محالة, واعتذروا منه اليوم فإنها ساعة اعتذار, وأما هناك فذاك يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون, ﴿ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم﴾ كأنك تراهم الآن ﴿ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون﴾ أيقنوا لما رأوا, ولو رُدُّوا لعادوا لما نهوا عنه, وأما المؤمنون فإنهم موقنون الآن, آمنوا بالغيب وعملوا, قال الله ﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها﴾ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا, ولكن له الحكمة الباهرة والحجة البالغة؛ أن خلق الناس مختلفين مؤمن وكافر, ولا يظلم ربك أحدًا, أعطاهم السمع والبصر والأفئدة, وأنزل عليهم الكتب, وأرسل إليهم الرسل, وأقام عليهم الحجة, قال الله ﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ فاحذر أن تكون من حطبها يا عبد الله, احذر أن تكون من حشوها الذي يملؤها, ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾ ﴿ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين* فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون* إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سُجَّدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون﴾ قرأ عُمَر السجدة على المنبر ثم سجد وسجد الناس معه, فاسجدوا يا رعاكم الله, قال الله ﴿إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سُجَّدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون* تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا﴾ أما أصحاب اليمين فتتجافى جنوبهم عن المضاجع لصلاة الفجر وصلاة العصر وصلاة العشاء وباقي الصلوات المفروضة, وأما المقربين السابقين فتتجافى جنوبهم عن المضاجع لصلاة الليل في جوف الليل إذا نام الناس, لِم؟ يدعون ربهم خوفًا وطمعًا, ﴿أمن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب﴾ ﴿ومما رزقناهم ينفقون﴾ قال الله ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ لهم مفاجآت سارة ما خطرت على قلب بشر, لأنهم أخفوا أعمالهم عن الناس, في صلاة الليل وفي النفقة وفي العمل الصالح أخفوها عن الناس يريدون وجه الله, بكَّائين بالليل بسامين بالنهار, إذا طلع الفجر توضئوا وادَّهنوا وترجلوا وخرجوا مع الناس, في أسواقهم وأعمالهم, وأما بالليل فلهم شأن آخر,
لهم تحت الظلام وهم سجود أنين منه تنفرج الضلوع
وخرس في النهار لطول صمت عليهم من سكينتهم خشوع
﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ اللهم اجعلنا منهم برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم أعنا على أنفسنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم إنا لا نستطيع التقرب إليك إلا بتوفيقك ومعونتك وفضلك, اللهم نسألك من فضلك العظيم, اللهم نسألك من فضلك العظيم, اللهم نسألك من فضلك العظيم, اللهم اربط على قلوبنا وخذ بنواصينا للبر والتقوى ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرًا, أيها الإخوة فهذه سورة البداية والنهاية, هذه السورة التي تُقرأ يوم الجمعة لأنه يوم البداية والنهاية, فاعتبروا فيها وتفكروا وتدبروا, فإن القلوب إنما تحيا بالوحي, وذَكَر الله في آخرها صفة الأئمة في الدين, أخذوا برأس الأمر فجعلهم الله رؤوسًا, ورأس الأمر الصبر, فإذا صبروا على طاعة الله, وصبروا عن معاصي الله, وصبروا على النعم, وصبروا على المصائب, وصبروا عن الدنيا وتحاموها, وصبروا على ما يأتيهم في ذات الله وما يأتيهم في سبيل الله, ﴿فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين﴾ بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين, باتباع سبيل من سلف والصبر عليه واليقين أنه الصراط المستقيم, «ما أنا عليه وأصحابي» كما قال صلى الله عليه وسلم, والصبر على ذلك, والصبر في طلب الحديث وطلب العلم, والصبر على عبادة الله, والصبر عن معاصي الله وعن الدنيا, تُنال الإمامة في الدين, اللهم هب لنا من أزواجنا وذُرِّياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا, اللهم هب لنا من أزواجنا وذُرِّياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا, اللهم اجعلنا أنصح الناس لك ولكتابك ولرسولك ولأئمة المسلمين وعامتهم, اللهم أعزنا بالإسلام والسُّنة, وأعز الإسلام والسُّنة بنا يا رب العالمين, وأعز أهل الإسلام والسنة في كل مكان, اللهم اربط على قلوبهم, اللهم ثبت أقدامهم, اللهم اجعل العاقبة لهم يا رب العالمين, اللهم اجمع شملهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم أحينا على الإسلام والسنة وتوفنا عليهما يا رب العالمين, وإذا أردت بعبادك فتنًا مُضِلَّة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا رب العالمين, اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها وخير أيامنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين, يا حي يا قيوم, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
435347 435347