310454

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.

عباد الله، أهل التوحيد، إخواني في الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى واستحيوا من الله حق الحياء، واستحيوا من ملائكة الله الكرام، واستحيوا من عباد الله المؤمنين، فالحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، واتقوا ربكم الذي لا بد لكم من لقائه، ولا منتهى لكم دونه وإليه تُرجعون وإليه المصير.

واعلموا أن أنفع الكلام كلام الله - جل وعلا -، وأحسن الهدي ومن تمثل بهذا الكلام خلقًا وعملا هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - كان خلقه وعمله ودينه القرآن، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

يا أهل التوحيد، يا إخواني في الله: إن أركان الإيمان الستة لها أثر عظيم وعميق في عمل العبد وفي قلبه وفي روحه وفي تصرفاته، وإن الحد الأدنى الذي ليس بعده إلا الكفر هو الإيمان بها والتصديق وعدم جحودها واستشعارها، ثم لا يزال العبد يرتقي في هذه المراتب إلى أعلى عليين.

وإن اليوم إخواني في الله نأخذ ركبًا من هذه الأركان العظام وأثره العظيم على العبد، ألا وهو الركن الثاني، الإيمان بملائكة الله الكرام.

هذا الإيمان بالملائكة، من جحد الملائكة فهو كافر لعين مطرود من رحمة الله، لكنا لا نتكلم عن الحد الأدنى، نتكلم عن عباد الله المؤمنين الذين آمنوا ثم آمنوا ثم آمنوا وصدقوا حتى أصبح الغيب عندهم شهادة، فهم يستشعرون الملائكة، يحبون الملائكة، يحسون بالملائكة، يستحيون منهم، يكرمونهم، إن هذا الإيمان أثره عميق يؤثر فيك فورًا، تستحي من ملائكة الله الكرام.

عباد الله: إنَّا نعيش - أهل الإسلام وأهل التوحيد - ومعنا عالم من نور بيننا وعن يميننا وعن شمالنا ومن فوقنا وأمامنا ومن خلفنا، إنهم الملائكة الكرام، ألا نستحييهم؟ ألا نكرمهم ؟ وهم كرام أطهار، خُلقوا من نور؟ ألا نتشبه بهم في خوفهم وخشيتهم وانقيادهم لأمر الله وعدم معارضة أمر الله برأي ولا بقياس ولا بهوى والمسارعة في أمر الله، " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون دون تردد ولا معارضة، كيف هذا الاستشعار؟

أرأيت البارحة لما دخلت بيتك؟ إن كان بيتك فيه كلب لم تدخل الملائكة، وإن كان في بيتك صورة - قاتل الله الصور، قاتل الله الصور - في كل مكان، في الدراهم في الكتب في المجلات في كل مكان، لكن الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب ولا صورة حتى لو لم تعلم بالصورة، فإن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - واعده جبريل ولم يأتي في الموعد فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل ويخرج، جبريل لا يخلف الموعد، الملائكة طُبعوا على أفضل الأخلاق، إنهم من نور، لكن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - علم أن السبب هو في ابن آدم، فأخذ يتفقد، وهكذا يجب على المؤمن، فوجد تحت سر يره جرو كلب، لم يعلم به، وامتنع جبريل من الدخول، فأخرج الجرو فجاء جبريل، وقال: " إن الملائكة لا ندخل بيت فيه كلب ولا صورة ". يا الله! من بيوت لا تدخلها الملائكة بسبب هذه الصور.

وأيضًا الجنب، من بات جنبًا أو زوجته بجانبه باتت وهي جنب لم تغتسل أو لم يغتسل هو لم يتوضأ فإن الملائكة لا تدخل بيت في كلب ولا صورة ولا جنب، فإن سلمت من هذه فالملائكة معك، معك تحفظك بأمر الله تستشعر بهم تكرمهم، ولذلك: تطهر البيت مما يؤذيهم، هم كرام تؤذيهم هذه الأشياء.

فإذا نمت وذكرت الأذكار فأنت في حفظ الله بواسطة ملائكته، ثم إذا نمت استلمت روحك الملائكة،﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الزمر/42]، ثم إذا كان لك من الله عناية وكنت من أهل الآخرة توقظك الملائكة لصلاة الليل، وكم من رجل يحس ويسمع إيقاظ الملائكة له في قلبه، قم قم فصلي إن كان لك من الله عناية وكنت مقبل على هذا الأمر، ثم هم معك إلا عند ما يفضي الرجل إلى أهله أو يقضي حاجته، فهم نزهاء أشراف فاستحيوهم وأكرموهم، وأيضًا إذا تخلوا عنكم في هذين الموطنين تحصنوا بذكر الله.

ثم إذا توضأت وخرجت لصلاة الفجر هم معك يحفظونك من أمر الله، فإذا دخلت المسجد فهم هناك، قال - صلى الله عليه وسلم -: " يتعاقبون فيكم ملائكة في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار "، هم هناك يكتبون من حضر الصلاة ويرفعون إلى الله ويقولون: أتيناهم وهم يصلون وذهبنا عنهم وهم يصلون.

ثم إن كان لك من الله عناية وتوفيق فجلست في المسجد إلى طلوع الشمس فالملائكة معك تقول: " اللهم اغفر له اللهم ارحمه، اللهم اغفر له اللهم ارحمه "، لا تفتر مالم تحدث؛ لأن الملائكة أطهار يتنزهون مما يتنزه منه بنو آدم ويتأذون من ذلك حتى من رائحة الثوم والبصل تتأذى منها الملائكة، تدعو لك الملائكة، تدعو لك الملائكة: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب/43] - جل ربنا وتعالى - أو تخرج من مكانك فينقطع عنك هذا الدعاء.

ثم إذا رجعت إلى بيتك فالملائكة من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك يكتبون كل كلام ويتأذون من الكذب والريبة والكلام الخبيث يتأذون منه، ويفرحون بالكلام الطيب يرفعونه إلى الله، يتسابقون في ذلك.

لما قال رجل خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الحمد لله ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبا مباركا فيه، قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: لقد رأيت بضعًا وثلاثين ملكا يستبقون على هذه الكلمة أيهم يكتبها أول وأيهم يرفعها أول "، الملائكة الكرام.

ثم إذا ارتحت قليلًا وأتيت للجمعة أين الملائكة؟ إنهم في الصباح الباكر على باب المسجد، كل مسجد جمعة في الدنيا على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، كل من مر بهم يكتبونه جاء في الساعة كذا في الدقيقة كذا، الأول فالأول، يا سبحان الله! هم في الصباح الباكر ينتظرون عباد الله الذين يأتون إلى الجمع.

ثم إذا دخل الإمام والخطيب، أين تذهب الملائكة؟ يغلقون الصحف ويجلسون معكم يستمعون الذكر، هم الآن معكم يستمعون الذكر ويتأذون مما يتأذى منه الأخيار من عباد الله، يكرهون الخطب الجوفاء الجافة التي ليس فيها وحي، هم من نور ويحبون النور، يكرهون الكذب، يكرهون البدعة، يكرهون الشرك، يتأذون من ذلك ويحبون الوحي وأهل الوحي، نور على نور.

ثم إذا انتهت الخطبة وصففتم فإن الملائكة تصف عند ربها، قال - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصفوف ويتراصون في الصف فإذا قال الإمام ولا الضالين قالت الملائكة آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه "،في الحديث المتفق عليه،" وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده قالت الملائكة ربنا ولك الحمد، فمن وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ". رواه البخاري.

ثم إذا جلست في المسجد هم معك يقولون: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه "، إذا ذهبت بعد الصلاة تطلب العلم علم الوحي من أهله فإن الملائكة تتأذى من الرأي والكذب والبدعة والهوى، يكرهونه، فإذا ذهبت لدرس تسمع كلام الله أو كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين الملائكة ؟ إنها تسبقه، تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع.

إذا جلست في المسجد تذكر الله أنت وإخوانك فإن لله ملائكة سياحين يبحثون في الأرض عن أهل الذكر فإذا وجدوهم تنادوا أن هلموا إلى بغيتكم فيشهدون معهم الكلام الطيب ثم يرفعونه إلى الله - جل وعلا -، ثم يرفعونه إلى الله - جل وعلا -. حتى إن رجل يحضر وليس من أهل الذكر وإنما حضر فيقول الله: " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ".

وهكذا عبد الله: إيمانك بالملائكة يحملك على دوام المراقبة، ألا تستحيون من ملائكة الله؟

قُدم للنبي - صلى الله عليه وسلم - دابة ليركبها في تشييع جنازة كما في الترمذي وأبي داود فرفض وقال: " إن الملائكة لتمشي خلف الجنازة وإني استحيي أن أركب والملائكة تمشي "، هم يشيعون جنازة المؤمن، هم عباد الله معكم في كل مكان.

وأحيانًا يتمثلون لكم، كم من رجل صالح لا تعرفه لكن النور في وجهه ربما كان ملكًا تمثل لك ليثبتك ويعينك؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن رجلًا زار أخ له في الله في قرية أخرى، فأرسل الله على مدرجته ملكًا تمثل له في صورة رجل صالح، فقال: أين تريد؟ قال: أخ لي في هذه القرية، قال: هل له نعمة عليك تردها؟ قال لا زرته لله، فبشره "، فهم يتسابقون على تبشير المؤمنين.

زكريا نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك،:" ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ ﴾ [آل عمران/45].

وأرسل الله جبرائيل: ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ [ مريم/19].

جاؤوا إبراهيم ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات/28].

وذهبوا إلى لوط وبشروه بإهلاك الظالمين، هم في هذه المواطن، هم يثبتون المؤمنين، هم يثبتون المؤمنين.

في داخل جوفك ملك قرين معك لا يفارقك من الملائكة: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد، يكتب كل شيء، واللمة التي تلم بالقلب فيها إيعاد بالخير وتصديق بالحق وقوة هي بفضل الله ثم بلمة هذا الملك بقلبك، فاحمد الله على فضله، وإذا جاءت الأخرى فهي لمة شيطان بقلبك.

يا عبد الله: إنهم في كل مكان، منهم من يحمل العرش، وهم أربعة في الدنيا وثمانية في الآخرة، أربعه في الدنيا، واحد على صورة رجل والثاني على صورة ثور والثالث صورة نسر والرابع صور ليث، أسد، قال أمية بن أبي الصلت:


" رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى والليث مرصد "

وصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فإذا جاء في الآخرة كانوا ثمانية:﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة/17]، حملة العرش، قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر: " أُذن لي أن أُحدثكم عن واحد من حملة العرش، ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة سنة "، وإذا كان اليوم يُقطع فيه أربعين كيلو من الكيلو مترات، فمعنى ذلك أن المسافة من شحمة أذنه إلى عاتقه، عشرة ملايين من الكيلو مترات، ملائكة عظام، لا يقدر قدرهم إلا الله.

مع ذلك: ماذا تفعل حملة العرش؟ قال الله: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ إنهم في شغل بكم أنتم ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ واسمعوا إلى كلامهم الطيب، أنت يا عبد الله: ما حجمك أمام هذه الملائكة ؟ ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة سنة، ماذا يقول؟ ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (Cool وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [غافر/9].

وأيضًا: هناك الحافين بالعرش، قال الله:﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر/75] إن استكبرت عن التسبيح فإن لله خلق أفضل منك من نور، قال الله: ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت/38].

بالبيت المعمور كما في المتفق عليه، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم الإمام الأكبر إمام أهل التوحيد رآه مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، قال - صلى الله عليه وسلم -: "يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون، في الصلاة: قال - صلى الله عليه وسلم -: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء وحق لها أن تأط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد، أو قال: قائم أو ساجد"،

ومنهم من يسجد لله سجدة بعمر الدنيا ثم إذا قام قال: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ما عبدناك حق عبادتك، إن من كان بالله أعرف كان منه أخوف،و الملائكة آمنون من عذاب الله، لا يعصون الله ما أمرهم ومع ذلك هم أشد الناس خوفًا من الله.

قال الله: ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء/27]، يشتغلون بما ينفعهم، هكذا يكون عباد الله، لا يسبقونه بالقول، لا يعارضون أمر الله برأي ولا هوى ولا عادة ولا شيء، وأيضًا يشتغلون بالعمل، وهم بأمره يعملون، وهكذا كان والله أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، لا يسبقون نبيهم بالقول وهم بأمره يعملون. ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء/28].

عباد الله، عباد الله: الملائكة منهم الحفظة، قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد/11]: فإذا جاء أمر الله خلوا بينه وبين أمر الله، قال الله: ﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام/61].

الملائكة يكتبون كل شيء، قال الله: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ ليس الكلام فقط، السر والنجوى قال الله: ﴿ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف/80].،

وقال الله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (Cool كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار/12].

وقال الله: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق/18] استحيوهم، أكرموهم فإنهم كرام يحبون الكرام.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله إذا أحب عبدًا نادى جبرائيل وقال: يا جبرائيل إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماوات: إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبونه "، والله لو أبغضه أهل الأرض لا يساوون ذرة أمام هذه المخلوقات العظيمة التي تحبه وتؤيده وتثبته وتنصره.

قال الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ ما أكثر الذين قالوا ربنا الله، وما أقل الذين استقاموا ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ تتنزل عليهم كل وقت، وأعظم الأوقات عند الاحتضار، لكن تتنزل عليهم دائمًا، هذا التثبيت الذي يأتيك في قلبك هو منهم - عليهم السلام -﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت/31].

الملائكة خزنة النار، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، عددهم تسعة عشر وسيدهم مالك - عليه السلام -.

ومن الألفاظ الشنيعة اليوم إذا تكلموا عن بعض الظلمة وعن جنوده قالوا: زبانيته، لا يجوز أن تسمي أعوان الظلمة زبانية، لأن الزبانية ملائكة كرام، وإن كانوا خزنة جهنم، هم ملائكة كرام.

ومن الأخطاء أم تسمى البنات اليوم ملاك، لا تمسى البت ملاك، قال الله: ﴿ إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ﴾ [النجم/27].

اليهود يكرهون الملائكة قال الله: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾، من عاداهم عاداه الله، المشركين يكرهون الملائكة، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا، أشهدوا خلقهم؟ أما عباد الله فهم لا، هم يحبون الملائكة و الملائكة تشفع لهم.

لما أُلقي يونس في البحر وقال: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "، قالت الملائكة لربها: يا رب: صوت معروف، هذا الصوت معروف يُرفع له كل يوم عمل صالح، كان من المسبحين في مكان غريب، يا رب: صوت معروف في مكان غريب وشفعت له الملائكة وفي الآخرة تشفع الملائكة تحب عباد الله المؤمنين،.

وهذه خطأ أخطأته الملائكة، وأخطأ آدم، وأخطأ إبليس، فكيف تعامل الله مع كل خطأ؟

الملائكة قال الله: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا ﴾ استرشاد، وليس عناد ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ التواضع للحق ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة/23]، هكذا علمهم الله وأدبهم، احفظوا هذا.

الثانية: آدم عصى معصية وأكل من الشجرة، صحيح أن الله ما أقره واهبطه إلى الأرض ولكنه ما طرده وإنما تاب عليه، احفظوها، التعامل مع العصاة.

الثالثة: إبليس: قيل له اسجد فلم يسجد حسد وكبر وقياس ورأي ورد الأمر بالهوى، فطرده ولعنه ومنعه التوبة وقال: ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص/78].

فالمبتدعة يُعاملون كما عامل الله إبليس يطرد، ولذلك هم يمنعون من التوبة يمرقون ثم لا يعودون، والعصاة يعاملون كما عامل الله آدم، والمسترشد المتعلم يعاملون كما عامل الله الملائكة.

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب معلم الخير الذي ألقت الملائكة في قلبه علمًا كثيرًا قال: " وقد حصلت هذه الثلاث بعد الفتح "، سبحان الله! كيف ألهمه الله ذلك؟ بواسطة الملائكة، قال:" أخطأت الأنصار لما قالوا يعطي هؤلاء ويدعنا، وأخطأ خالد لما قتل قبيلة من العرب، وأخطأ ذو الخويصرة لما رد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرأي، فأما ذو الخويصرة فتعامل معه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تعامل الله مع إبليس، وهكذا أحفاده من المبتدعة، وأما خالد فتعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - معه كما تعامل الله مع آدم، وأما الأنصار فتعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - معهم كما تعامل الله مع الملائكة، جمعهم في الحظيرة ثم أرشدهم ثم علمهم حتى بكوا وأخضلوا لحاهم".

اللهم فقنا، اللهم علمنا، اللهم ارزقنا حقيقة الإيمان اليقيني الحقيقي الراسخ بك وبملائكتك وكتبك ورسلك واليوم الآخر والقدر خيره وشره، اللهم اجعلنا ممن يحبوا الملائكة ويستحييهم ويكرمهم وينزههم عن الصور والإحداث ما يكرهونه يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من خيرة أوليائك الذين تتولاهم الملائكة وتنطق على ألسنتهم وتنصرهم وتقاتل معهم وتسددهم كما كان جبرائيل يسدد حسان في أبيات الشعر لأنها لنصر الوحي،

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.







الخطبة الثانية

الحمد لله بفضله اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.

أهل التوحيد: من ثمرات الإيمان بالملائكة عدم الإحساس بالغربة، فإن تنكر بنو آدم للحق فإن الملائكة لا تتنكر له، ومخلوقات الله كلها تسبح وتوحد، فلا يحس المؤمن بالغربة كما لم يحس بها إبراهيم -عليه السلام -، والملائكة معه، تقاتل معه وتلقي الحق على لسانه، وتشد على قلبه إذا اتبع السنة وعمل بها لا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى، هي تقول له: لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

من ثمرات الإيمان العميق الراسخ بالملائكة الصبر على طاعة الله، النفس الملائكية هي من تشبهت بالملائكة، الملائكة ليس لهم شأن في أمر الدنيا إنما أمرهم في الآخرة، في رضوان سيدهم وخالقهم وربهم - جل وعلا -، وهكذا النفس الملائكية كلما تنزهت من الأقذار والإحداث والبدع والشرك وما يؤذي كلما كانت نفس ملائكية تشبهت بالملائكة، ﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف/206]، ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء/20].

من ثمرات الإيمان بالملائكة: استشعار عظمة الله - جل وعلا -، حملة عرشه، وهذا خلقهم العظيم، فكيف برب العزة والجلالة؟ - جل وعلا - وتقدس، استشعار عظمة الله من ذلك القوة في ذات الله، الملائكة معك.

قال جبرائيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " كيف أهل بدر فيكم؟ قال: هم خيرنا وأفضلنا، قال: وهكذا من شهد بدرًا من الملائكة ، هم خير الملائكة وأفضلهم، ولذلك ما قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا سيد أهل السموات والأرض قال: أنا سيد ولد آدم. "

فيجب الاعتناء بألفاظ النصوص الشرعية وعدم التكلف أيهم أفضل؟ بني آدم أو الملائكة ؟ هذا ليس تحته عمل، عليك بالعمل.

أيضا النفس الملائكية لا تسبق الله بالقول ولا ترد قوله برأي ولا قياس، والنفس الملائكية بأمره يعملون، والنفس الملائكية يتواضع للحق يقولون: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، النفس الملائكية يخافوا الله خوف الخشية والهيبة وهم من خشيته مشفقون، النفس الملائكية مقبلة على عبادة ربها، ولذلك تزداد فيه الأنوار. والحديث في هذا العالم يطول والقرآن مليء بذكره والسنة والآثار.

فيا عباد الله يا عباد الله: أركان الإيمان عميقة التأثير في العمل والعمل من الإيمان، فتأملوا هذه الأركان واستشعروها وأحسوا بها وتفقهوا فيها إجمالًا وتفصيلًا ينعكس هذا على أعمالكم، على قلوبكم، على أرواحكم، على علومكم ، على هممكم، على تصرفاتكم، على حيائكم.

قال عمر - رضي الله عنه -: " جاءنا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، في أحسن صورة "، وفي رواية: " طيب الريح، حسن الصورة "، هكذا الملائكة تأتي على أحسن صورة، ثم جلس بأدب " وأسند ركبتيه إلى ركبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ووضع يديه على فخذيه وقال: يا محمد ما الإسلام؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: صدقت، ما الإيمان؟ قال أن تؤمن بالله وملائكته "وهذا أشرفهم هذا السائل، " وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ثم لما ذهب قال - صلى الله عليه وسلم -" هذا جبرائيل أو هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم "، يحبون الخير، يحبون تعليم العلم عليهم السلام.

اللهم اجعلنا ممن تتلاقاهم الملائكة يوم القيامة، قال الله: ﴿ لَا يَحْزُنُهُم، "الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء/103] .

اللهم اجعلنا من هؤلاء الصفوة يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من أهل الجنان، ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد/24].

اللهم اجعلنا ممن يستحييهم ويكرمهم يا رب العالمين، وينزههم عما يؤذيهم يا حي يا قيوم، اللهم اجعلنا من عبادك حقا، ومن المؤمنين حقا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم نسألك إيمانًا لا يرتد ونعيم لا ينفذ ومرافقة نبيك في أعلى درجات الخلد، اللهم إنك قلت وقولك الحق:" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب/56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد..
435347 435347
18383